للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٥٧)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِتَحْقِيقِ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النُّور:

٥٥] ، فَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَزَالُوا فِي قُوَّةٍ وَكَثْرَةٍ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَزَالُوا يَخَافُونَ بَأْسَهُمْ فَرُبَّمَا كَانَ الْوَعْدُ بِالْأَمْنِ مِنْ بَأْسِهِمْ مُتَلَقًّى بِالتَّعَجُّبِ وَالِاسْتِبْطَاءِ الشَّبِيهِ بِالتَّرَدُّدِ فَجَاءَ قَوْلُهُ: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ تَطْمِينًا وَتَسْلِيَةً.

وَالْخِطَابُ لِمَنْ قَدْ يُخَامِرُهُ التَّعَجُّبُ وَالِاسْتِبْطَاءُ دُونَ تَعْيِينٍ.

وَالْمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ عَنْ هَذَا الْحُسْبَانِ التَّنْبِيهُ عَلَى تَحْقِيقِ الْخَبَرِ.

وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: تَحْسَبَنَّ بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحْدَهُ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ فَصَارَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَاعِلَ يَحسبن فَيبقى ليحسبن مَفْعُولٌ وَاحِدٌ هُوَ مُعْجِزِينَ.

فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّحَّاسُ وَالْفَرَّاءُ: هِيَ خَطَأٌ أَوْ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ فِعْلَ الْحُسْبَانِ يَقْتَضِي مَفْعُولَيْنِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ جُرْأَةٌ عَلَى قِرَاءَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ:

أَنْفُسَهُمْ، وَقَدْ وُفِّقَ لِأَنَّ الْحَذْفَ لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي الْكَلَامِ. وَفِي «الْكَشَّافِ» أَنْ فِي الْأَرْضِ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي، أَيْ لَا يَحْسَبُوا نَاسًا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ (يَعْنِي مَا مِنْ كَائِنٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَهُوَ فِي مُتَنَاوَلِ قُدْرَةِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، أَيْ فَلَا مَلْجَأَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا) قَالَ: «وَهَذَا مَعْنًى قَوِيٌّ جَيِّدٌ» .

وَالْمُعْجِزُ: الَّذِي يُعْجِزُ غَيْرَهُ، أَيْ يَجْعَلُهُ عَاجِزًا عَنْ غَلَبِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٣٤] . وَكَذَلِكَ الْمُعَاجِزُ بِمَعْنَى الْمُحَاوِلِ عَجْزَ ضِدِّهِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [٥١] .

وَالْأَرْضُ: هِيَ أَرْضُ الدُّنْيَا، أَيْ هُمْ غَيْرُ غَالِبِينَ فِي الدُّنْيَا كَمَا حَسِبُوا أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّةَ عَالَمٌ آخَرُ. وفِي الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ بِ مُعْجِزِينَ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَعَلَى بَعْضِ التَّوْجِيهَاتِ مِنْ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَابْنِ عَامِرٍ، أَوْ هُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى بَعْضِ التَّوْجِيهَاتِ كَمَا

عَلِمْتَ.