إِلَى قَوْلِهِ: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ تَشْرِيعًا لِاسْتِئْذَانِهِمْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِئْذَانِهِمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، فَصَارَ الْمَفْهُومُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا. وَأَيْضًا هَذَا الْأَمْرُ مُخَصَّصٌ بِعُمُومِ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ [النُّور: ٣١] وَعُمُومِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النُّور: ٣١] إِلَخِ الْمُتَقَدِّمُ آنِفًا.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ مَرْثَدٍ دَخَلَ عَلَيْهَا عَبْدٌ لَهَا كَبِيرٌ فِي وَقْتٍ كَرِهَتْ دُخُولَهُ فِيهِ فَأَتَت النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّمَا خَدَمُنَا وَغِلْمَانُنَا يَدْخُلُونَ عَلَيْنَا فِي حَالَةٍ نَكْرَهُهَا. فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، (يَعْنِي أَنَّهَا اشْتَكَتْ إِبَاحَةَ ذَلِكَ لَهُمْ) . وَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَسْخًا لِعُمُومِ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَعُمُومِ أَوِ الطِّفْلِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُ وَقَعَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْعُمُومِ ثُمَّ خُصِّصَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَالتَّخْصِيصُ إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْعَمَلِ بِعُمُومِ الْعَامِّ صَارَ
نَسْخًا.
وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: هُوَ نَدْبٌ.
فَأَمَّا الْمَمَالِيكُ فَلِأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَنْ لَا يَتَحَرَّجُوا مِنِ اطِّلَاعِ الْمَمَالِيكِ عَلَيْهِمْ إِذْ هُمْ خَوَلٌ وَتَبَعٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ [النُّور: ٣١] .
وَأَمَّا الْأَطْفَالُ فَلِأَنَّهُمْ لَا عِنَايَةَ لَهُمْ بِتَطَلُّعِ أَحْوَالِ النَّاسِ. وَتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ [النُّور: ٣١] .
كَانَتْ هَذِهِ الْأَوْقَاتُ أَوْقَاتًا يَتَجَرَّدُ فِيهَا أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ ثِيَابِهِمْ كَمَا آذَنَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ فَكَانَ مِنَ الْقَبِيحِ أَنْ يَرَى مَمَالِيكُهُمْ وَأَطْفَالُهُمْ عَوْرَاتِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْظَرٌ يَخْجَلُ مِنْهُ الْمَمْلُوكُ وَيَنْطَبِعُ فِي نَفْسِ الطِّفْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدْ رُؤْيَتَهُ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَنْشَأَ الْأَطْفَالُ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ كَالسَّجِيَّةِ فِيهِمْ إِذَا كَبِرُوا.
وَوُجِّهَ الْخِطَابُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَجُعِلَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ مُوَجَّهَةً إِلَى الْمَمَالِيكِ وَالصِّبْيَانِ عَلَى مَعْنَى: لِتَأْمُرُوا الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute