للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا أَظْهَرُ الْوُجُوهِ فِي تَوْجِيهِ عَدِّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَعَ مَنْ عُطِفَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ وُجُوهًا أُخَرَ أَنْهَاهَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» إِلَى ثَمَانِيَةٍ لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ يَنْثَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ. وَلَا نُطِيلُ بِهَا.

وَأُعِيدَ حَرْفُ (لَا) مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَنْفِيِّ قَبْلَهُ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى النَّفْيِ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ.

وَالْمَقْصُودُ بِالْأَكْلِ هُنَا الْأَكْلُ بِدُونِ دَعْوَةٍ وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الطَّعَامُ مُحْضَرًا دُونَ الْمُخْتَزَنِ.

وَالْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ ذَوَاتُ الْمُخَاطَبِينَ بِعَلَامَاتِ الْخِطَابِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا إِلَى آخِرِهِ، فَالْخِطَابُ لِلْأُمَّةِ.

وَالْمُرَادُ بِأَكْلِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَيْتِهِ الْأَكْلُ غَيْرُ الْمُعْتَادِ، أَيْ أَنْ يَأْكُلَ أَكْلًا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ بَقِيَّةُ أَهْلِهِ كَأَنْ يَأْكُل الرجل وزوجه غَائِبَةٌ، أَوْ أَنْ تَأْكُلَ هِيَ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ فَهَذِهِ أَثَرَةٌ مُرَخَّصٌ فِيهَا.

وَعَطَفَ عَلَى بُيُوتِ أَنْفُسِهِمْ بُيُوتَ آبَائِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُيُوتَ أَوْلَادِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْآكِلِينَ مِنَ الْآبَاءِ فَهُمْ أَحَقُّ بِأَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ. قِيلَ: لِأَنَّ الْأَبْنَاءَ كَائِنُونَ مَعَ الْآبَاءِ فِي بُيُوتِهِمْ، وَلَا يَصِحُّ، فَقَدْ كَانَ الِابْنُ إِذَا تَزَوَّجَ بَنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا كَمَا فِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. فَالْوَجْهُ أَنَّ بُيُوتَ الْأَبْنَاءِ مَعْلُومٌ حُكْمُهَا بِالْأَوْلَى مِنَ الْبَقِيَّةِ

لقَوْل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ وَمَالُكُ لِأَبِيكَ»

. وَهَؤُلَاءِ الْمَعْدُودُونَ فِي الْآيَةِ بَينهم من الْقَرَابَة أَوِ الْوِلَايَةِ أَوِ الصَّدَاقَةِ مَا يُعْتَادُ بِسَبَبِهِ التَّسَامُحُ بَيْنَهُمْ فِي الْحُضُورِ لِلْأَكْلِ بِدُونِ دَعْوَةٍ لَا يَتَحَرَّجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا.

وَ (مَا) فِي قَوْلِهِ: مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ مَوْصُولَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى الْمَكَانِ أَوِ الطَّعَامِ، عَطَفَ عَلَى بُيُوتِ خالاتِكُمْ لَا عَلَى أَخْوالِكُمْ وَلِهَذَا جِيءَ بِ (مَا) الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ

الْعَاقِلِ.