للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعِزَّةِ، وَالْعِزَّةُ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَلْفَاظِ وَضِدُّهَا الِابْتِذَالُ.

وَتَبَارَكَ: تَعَاظَمَ خَيْرُهُ وَتَوَفَّرَ، وَالْمُرَادُ بِخَيْرِهِ كَمَالَاتُهُ وَتَنَزُّهَاتُهُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٥٤] .

وَالْبَرَكَةُ: الْخَيْرُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ فِي سُورَةِ هُودٍ [٤٨] وَعِنْدَ قَوْلِهِ: تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً فِي سُورَةِ النُّورِ [٦١] .

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَتَوَفُّرِ كَمَالَاتِهِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهِ التَّعْلِيمُ وَالْإِيقَاظُ، وَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ إِنْشَاءِ ثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْشَأَ اللَّهُ بِهِ ثَنَاءً عَلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الْإِسْرَاء: ١] عَلَى طَرِيقَةِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ فِي إِنْشَاءِ التَّعَجُّبِ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ فِي مَقَامِ الْفَخْرِ وَالْعَظَمَةِ، أَو إِظْهَار غرايب صَدَرَتْ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي ... فِيَا عَجَبًا مِنْ كَوْرِهَا الْمُتَحَمِّلِ

وَإِنَّمَا يَتَعَجَّبُ مِنْ إِقْدَامِهِ عَلَى أَنْ جَعَلَ كَوْرَ الْمَطِيَّةِ يَحْمِلُهُ هُوَ بَعْدَ عَقْرِهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ الْفِنْدِ الزِّمَّانِيِّ:

أَيَا طَعْنَةَ مَا شَيْخٍ ... كَبِيرٍ يَفَنٍ بَالِي

يُرِيدُ طَعْنَةً طَعَنَهَا قِرْنَهُ.

وَالَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِذْ قَدْ كَانَتِ الصِّلَةُ مِنْ خَصَائِصِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ الْفِعْلُ كَالْمُسْنَدِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: تَبَارَكت.

والموصول يومىء إِلَى عِلَّةِ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ الْفُرْقَانِ وَبَرَكَتِهِ عَلَى النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً. فَتِلْكَ مِنَّةٌ عَظِيمَةٌ تُوجِبُ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ. وَهُوَ أَيْضًا كِنَايَةٌ عَنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَام.

وَالتَّعْرِيفُ بِالْمَوْصُولِ هُنَا لِكَوْنِ الصِّلَةِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ يُنْكِرُونَهَا لَكِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ الرَّسُولَ أَعْلَنَهَا فَاللَّهُ مَعْرُوفٌ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَعْرِفَةً بِالْوَجْهِ لَا بِالْكُنْهِ الَّذِي يُنْكِرُونَهُ.