للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١٦)

الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ يَقْتَضِي مُخَاطَبًا مَقُولًا لَهُ ذَلِكَ: فَيَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ: قُلْ لَهُمْ، أَيْ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْوَعِيدَ وَالتَّهْدِيدَ السَّابِقَ: «أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمِ الْجَنَّةُ» ؟ فَالْجُمَلُ مُتَّصِلَةُ السِّيَاقِ، وَالِاسْتِفْهَامُ حِينَئِذٍ لِلتَّهَكُّمِ إِذْ لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِ الْجَنَّةِ الْمَوْصُوفَةِ خَيْرًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ آيَاتِ الْوَعِيدِ لِمُنَاسَبَةِ إِبْدَاءِ الْبَوْنِ بَيْنَ حَالِ الْمُشْرِكِينَ وَحَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالِاسْتِفْهَامُ حِينَئِذٍ مُسْتَعْمل فِي التلميح وَالتَّلَطُّفِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ:

أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ [٦٢] .

وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْمَكَانِ الضَّيِّقِ فِي جَهَنَّمَ.

وخَيْرٌ اسْمُ تَفْضِيلٍ، وَأَصْلُهُ (أَخْيَرُ) بِوَزْنِ اسْمِ التَّفْضِيلِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَالتَّفْضِيلُ عَلَى الْمَحْمِلِ الْأَوَّلِ فِي مَوْقِعِ الْآيَةِ مُسْتَعْمَلٌ لِلتَّهَكُّمِ بِالْمُشْرِكِينَ.

وَعَلَى الْمَحْمِلِ الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ لِلتَّمْلِيحِ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِظْهَارِ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ.

وَوَصْفُ الْمَوْعُودِينَ بِأَنَّهُمْ مُتَّقُونَ عَلَى الْمَحْمِلِ الْأَوَّلِ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَعَلَى الْمَحْمِلِ الثَّانِي جَارٍ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِر أَن يُؤْتى بِضَمِيرِ الْخِطَابِ، فَوَجْهُ الْعُدُولِ إِلَى الْإِظْهَارِ مَا يُفِيدُهُ الْمُتَّقُونَ مِنَ الْعُمُومِ لِلْمُخَاطَبِينَ وَمَنْ

يَجِيءُ بَعْدَهُمْ.

وَجُمْلَةُ: كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ: جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْجَنَّةِ بِتَنْكِيرِ جَزاءً وَمَصِيراً مَعَ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُمْ وُعِدُوا بِهَا وَعْدَ مُجَازَاةٍ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً [الْكَهْف: ٣١] وَقَوله:

بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [٣١- ٢٩] .

وَجُمْلَةُ: لَهُمْ فِيها مَا يَشاؤُنَ، حَالٌ مِنْ جَنَّةُ الْخُلْدِ أَوْ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ. وَجُمْلَةُ:

كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا حَالٌ ثَانِيَةٌ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ إِذِ التَّقْدِيرُ: وَعْدًا لَهُمْ.

وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي: كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً عَائِدٌ إِمَّا إِلَى الْوَعْدِ الْمَفْهُومِ