للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا مَحَالَةَ لِوُقُوعِ مَفْعُولِهِ مِمَّا لَا يَصِحُّ اتِّبَاعُهُ حَقِيقَةً.

وَالتِّلَاوَةُ قِرَاءَةُ الْمَكْتُوبِ وَالْكِتَابِ وَعَرْضِ الْمَحْفُوظِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ وَفِعْلُهَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ (١) [الزمر: ٧١] فَتَعْدِيَتُهُ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ يَدُلُّ عَلَى تَضَمُّنِهِ مَعْنَى تَكْذِبُ أَيْ تَتْلُو تِلَاوَةَ كَذِبٍ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ كَمَا يُقَال يقوّل عَلَى فُلَانٍ أَيْ قَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَإِنَّمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ حَرْفِ (عَلَى) .

وَالْمُرَادُ بِالْمُلْكِ هُنَا مُدَّةُ الْمُلْكِ أَوْ سَبَبُ الْمُلْكِ بِقَرِينَةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْمُلْكِ وَحَذْفُ الْمُضَافِ مَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِمْ وَقَعَ هَذَا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ:

وَمَا هِيَ إِلَّا فِي إِزَارٍ وَعِلْقَةٍ ... مُغَارَ ابْنِ هَمَّامٍ عَلَى حَيِّ خَثْعَمَا (٢)

يُرِيدُ أَزْمَانَ مُغَارِ ابْنِ هَمَّامٍ. وَكَذَلِكَ حَذَفَ الْمُضَافَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْحَوَادِثَ أَوِ الْأَسْبَابَ كَمَا تَقُولُ تَكَلَّمَ فُلَانٌ عَلَى خِلَافَةِ عُمَرَ أَوْ هَذَا كِتَابٌ فِي مُلْكِ الْعَبَّاسِيِّينَ وَذَلِكَ أَنَّ

الِاسْمَ إِذَا اشْتُهِرَ بِصِفَةٍ أَوْ قِصَّةٍ صَحَّ إِطْلَاقُهُ وَإِرَادَةُ تِلْكَ الصِّفَةِ أَوِ الْقِصَّةِ بِحَيْثُ لَوْ ظَهَرَتْ لَكَانَتْ مُضَافَةً إِلَى الِاسْمِ، قَالَ النَّابِغَةُ:

وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ أَرَادَ مَتَاعِبَ لَيْلٍ لِأَنَّ اللَّيْلَ قَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ أَهْلِ الْغَرَامِ بِأَنَّهُ وَقْتُ الشَّوْقِ وَالْأَرَقِ.

وَالشَّيَاطِينُ قِيلَ أُرِيدَ بِهَا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ أَيِ الْمُضَلِّلُونَ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقِيلَ: أُرِيدَتْ شَيَاطِينَ الْجِنِّ. وَأَلْ لِلْجِنْسِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَعِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيَاطِينِ أَهْلُ الْحِيَلِ وَالسَّحَرَةُ كَمَا يَقُولُونَ فُلَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْعَرَبِ وَقَدْ عُدَّ مِنْ أُولَئِكَ نَاشِبٌ الْأَعْوَرُ أَحَدُ رِجَالِ يَوْمِ الوقيط.

وَقَوله: تَتْلُوا جَاءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِحِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ، أَوْ هُوَ مُضَارِعٌ عَلَى بَابِهِ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الشَّيَاطِينَ هُمْ أَحْبَارُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَتْلُونَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُمُ اتَّبَعُوا اعْتَقَدُوا مَا تَلَتْهُ الشَّيَاطِينُ وَلَمْ تَزَلْ تَتْلُوهُ.

وَسُلَيْمَانُ هُوَ النَّبِيءُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ يَسِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا وُلِدَ سَنَةَ ١٠٣٢ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَلْفٍ قَبْلَ الْمَسِيحِ وَتُوُفِّيَ فِي أُورَشْلِيمَ سَنَةَ ٩٧٥ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ قَبْلَ الْمَسِيحِ وَوَلِيَُُ


(١) فِي المطبوعة آياتي وَهُوَ خطأ. (مصححه) .
(٢) الْعلقَة بِكَسْر الْعين قَمِيص بِلَا كمين وَهُوَ أول ثوب يتَّخذ للصبيان.