للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّفْسِيَّةَ لِأَنَّ فِي تَغْيِيرِهَا

إِعْدَادَ نُفُوسِهِمْ لِتَلَقِّي الْفَيُوضَاتِ الْإِلَهِيَّةِ.

وَلِلَّهِ تَعَالَى حِفَاظٌ عَلَى نَوَامِيسِ نِظَامِ الْخَلَائِقِ وَالْعَوَالِمِ لِأَنَّهُ مَا خَلَقَهَا عَبَثًا فَهُوَ لَا يُغَيِّرُهَا إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ إِرَادَتُهُ مِنْ تَأْيِيدِ الرُّسُلِ بِالْمُعْجِزَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً.

تَذْيِيلٌ، فَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: بَعْضَكُمْ يَعُمُّ جَمِيعَ النَّاسِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ. وَكِلَا الْبَعْضَيْنِ مُبْهَمٌ يُبَيِّنُهُ الْمَقَامُ. وَحَالُ الْفِتْنَةِ فِي كِلَا الْبَعْضَيْنِ مُخْتَلِفٌ، فَبَعْضُهَا فِتْنَةٌ فِي الْعَقِيدَةِ، وَبَعْضُهَا فِتْنَةٌ فِي الْأَمْنِ، وَبَعْضُهَا فِتْنَةٌ فِي الْأَبْدَانِ.

وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِ فِتْنَةً مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْفِتْنَةِ، وَشَمِلَ أَحَدُ الْبَعْضَيْنِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ حَالُ الرَّسُولِ فِتْنَةً لِلْمُشْرِكِينَ إِذْ زَعَمُوا أَنَّ حَالَهُ مُنَافٍ لِلرِّسَالَةِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَكَانَ حَالُ الْمُؤْمِنِينَ فِي ضَعْفِهِمْ فِتْنَةً لِلْمُشْرِكِينَ إِذْ تَرَفَّعُوا عَنِ الْإِيمَانِ الَّذِي يُسَوِّيهِمْ بِهِمْ، فَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلٍ وَالْوَلِيدُ بن الْمُغيرَة والعاصي بْنُ وَائِلٍ وَأَضْرَابُهُمْ يَقُولُونَ: إِنْ أَسْلَمْنَا وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ تَرَفَّعُوا عَلَيْنَا إِدْلَالًا بِالسَّابِقَةِ. وَهَذَا كَقَوْلِ صَنَادِيدِ قَوْمِ نُوحٍ لَا نُؤْمِنُ حَتَّى تَطْرُدَ الَّذِينَ آمَنُوا بِكَ فَقَالَ:

وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [هود: ٢٩، ٣٠] .

وَقَالَ تَعَالَى لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الْأَنْعَام: ٥٢، ٥٣] .