وَاتِّخَاذُ السَّبِيلِ: أَخْذُهُ، وَأَصْلُ الْأَخْذِ: التَّنَاوُلُ بِالْيَدِ، فَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى قَصْدِ السَّيْرِ فِيهِ قَالَ تَعَالَى: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ [الْكَهْف: ٦٣] .
ومَعَ الرَّسُولِ أَيْ مُتَابِعًا لِلرَّسُولِ كَمَا يُتَابِعُ الْمُسَافِرُ دَلِيلًا يَسْلُكُ بِهِ أَحْسَنَ الطُّرُقِ وَأَفْضَاهَا إِلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ. وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِفِعْلِ الِاتِّبَاعِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ يُقَالَ: يَا لَيْتَنِي اتَّبَعْتُ الرَّسُولَ، إِلَى هَذَا التَّرْكِيبِ الْمُطْنَبِ لِأَنَّ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ تَمْثِيلَ هَيْئَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهَيْئَةِ مُسَايِرَةِ الدَّلِيلِ تَمْثِيلًا مُحْتَوِيًا عَلَى تَشْبِيهِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ بِالسَّبِيلِ، وَمُتَضَمِّنًا تَشْبِيهَ مَا يَحْصُلُ عَنْ سُلُوكِ ذَلِكَ السَّبِيلِ مِنَ النَّجَاةِ بِبُلُوغِ السَّائِرِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمَقْصُودِ، فَكَانَ حُصُولُ هَذِهِ الْمَعَانِي صَائِرًا بِالْإِطْنَابِ إِلَى إِيجَازٍ، وَأَمَّا لَفْظُ الْمُتَابَعَةِ فَقَدْ شَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ فَهُوَ غَيْرُ مُشْعِرٍ بِهَذَا التَّمْثِيلِ. وَعَلِمَ أَنَّ هَذَا السَّبِيلَ سَبِيلُ نَجَاحِ مَنْ تَمَنَّاهُ لِأَنَّ التَّمَنِّيَ طلب الْأَمر المحبوب الْعَزِيزِ الْمَنَالِ.
وَيَا لَيْتَنِي نِدَاءٌ لِلْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى التَّمَنِّي بِتَنْزِيلِ الْكَلِمَةِ مَنْزِلَةَ الْعَاقِلِ الَّذِي يُطْلَبُ حُضُورُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فِي حَالَةِ النَّدَامَةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: هَذَا مَقَامُكِ فَاحْضُرِي، عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ: يَا حَسْرَتَنا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٣١] . وَهَذَا النِّدَاءُ يَزِيدُ الْمُتَمَنِّيَ اسْتِبْعَادًا لِلْحُصُولِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله: يَا وَيْلَتى هُوَ تَحَسُّرٌ بِطْرِيقِ نِدَاءِ الْوَيْلِ. وَالْوَيْلُ: سُوءُ الْحَالِ، وَالْأَلِفُ عِوَضٌ عَنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهُوَ تَعْوِيضٌ مَشْهُورٌ فِي نِدَاءِ الْمُضَافِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْوَيْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧٩] . وَعَلَى يَا وَيْلَتَنا فِي قَوْلِهِ: يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [٤٩] .
وَأَتْبَعَ التَّحَسُّرَ بِتَمَنِّي أَنْ لَا يَكُونَ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا.
وَجُمْلَةُ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا بَدَلَ اشْتِمَالٍ لِأَنَّ اتِّبَاعَ سَبِيلِ الرَّسُولِ يَشْتَمِلُ عَلَى نَبْذِ خُلَّةِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِهِ فَتَمَنِّي وُقُوعِ أَوَّلِهِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى تَمَنِّي وُقُوعِ الثَّانِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute