«رَأَيْتَ» لِأَنْ يَكُونَ فِعْلًا قَلْبِيًّا بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَكَانَ الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: أَرَأَيْتَ إِنْكَارِيًّا كَالثَّانِي فِي قَوْلِهِ: أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا وَكَانَ مَجْمُوعُ الْجُمْلَتَيْنِ كَلَامًا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ. وَالْمَعْنَى: أَرَأَيْتَكَ تَكُونُ وَكِيلًا عَلَى مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَتَكُونُ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ أَفَأَنْتَ فَاءَ الْجَوَابِ لِلْمَوْصُولِ لِمُعَامَلَتِهِ مُعَامَلَةَ الشَّرْطِ، وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ لِلِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الْإِسْرَاء: ٤٩] عَلَى قِرَاءَة إِعَادَة همزَة الِاسْتِفْهَامِ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا
عِوَضًا عَنِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِفِعْلِ أَرَأَيْتَ، وَالْفِعْلُ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ فِيهِ بِسَبَبِ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ [الزمر: ١٩] وَعَلَيْهِ لَا يُوقَفُ عَلَى قَوْلِهِ هَواهُ بَلْ يُوصَلُ الْكَلَامُ. وَهَذَا النَّظْمُ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ كَلَامُ «الْكَشَّافِ» .
وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ جُمْلَةٍ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةً عَنِ الْأُخْرَى فِي نَظْمِ الْكَلَامِ كَانَ الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا إِلَهَهُمْ هَوَاهُمْ تَعْجِيبًا مَشُوبًا بِالْإِنْكَارِ، وَكَانَتِ الْفَاءُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى ذَلِكَ التَّعْجِيبِ وَالْإِنْكَارِ، وَكَانَ الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا إِنْكَارِيًّا بِمَعْنَى: أَنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ قَلْعَهُ عَنْ ضَلَالِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الْفرْقَان: ٤٢] .
ومَنْ صَادِقَةٌ عَلَى الْجَمْعِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ [الْفرْقَان: ٤٢] وَرُوعِيَ فِي ضَمَائِرِ الصِّلَةِ لَفْظُ مَنْ فَأُفْرِدَتِ الضَّمَائِرُ. وَالْمَعْنَى:
مَنِ اتَّخَذُوا هَوَاهُمْ إِلَهًا لَهُمْ أَوْ مَنِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لِأَجْلِ هَوَاهُمْ.
وَ «إِلَهٌ» جِنْسٌ يَصْدُقُ بِعِدَّةِ آلِهَةٍ إِنْ أُرِيدَ مَعْنَى اتَّخَذُوا آلِهَةً لِأَجْلِ هَوَاهُمْ. وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْله فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا لِلتَّقَوِّي إِشَارَةً إِلَى إِنْكَارِ مَا حَمَّلَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَفْسَهُ مِنَ الْحِرْصِ وَالْحُزْنِ فِي طَلَبِ إِقْلَاعِهِمْ عَنِ الْهَوَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يُونُس: ٩٩] . وَالْمَعْنَى:
تَكُونُ وَكِيلًا عَلَيْهِ فِي حَالِ إِيمَانِهِ بِحَيْثُ لَا تُفَارِقُ إِعَادَةَ دَعْوَتِهِ إِلَى الْإِيمَانِ حَتَّى تلجئه إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute