للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأُصُولُ السِّحْرِ ثَلَاثَةٌ:

الْأَوَّلُ: زَجْرُ النُّفُوسِ بِمُقْدِمَاتٍ تَوْهِيمِيَّةٍ وَإِرْهَابِيَّةٍ بِمَا يَعْتَادُهُ السَّاحِرُ مِنَ التَّأْثِيرِ النَّفْسَانِيِّ فِي نَفْسِهِ وَمِنَ الضَّعْفِ فِي نَفْسِ الْمَسْحُورِ وَمِنْ سَوَابِقَ شَاهَدَهَا الْمَسْحُورُ وَاعْتَقَدَهَا فَإِذَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ السَّاحِرُ سُخِّرَ لَهُ وَإِلَى هَذَا الْأَصْلِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي ذِكْرِ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ [الْأَعْرَاف: ١١٦] .

الثَّانِي: اسْتِخْدَامُ مُؤَثِّرَاتٍ مِنْ خَصَائِصِ الْأَجْسَامِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْمَعْدِنِ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى خَصَائِصَ طَبِيعِيَّةٍ كَخَاصِّيَّةِ الزِّئْبَقِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَقَاقِيرُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعُقُولِ صَلَاحًا أَوْ فَسَادًا وَالْمُفْتِرَةُ لِلْعَزَائِمِ وَالْمُخَدِّرَاتُ وَالْمُرْقِدَاتُ عَلَى تَفَاوُتِ تَأْثِيرِهَا، وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ [طه: ٦٩] .

الثَّالِثُ: الشَّعْوَذَةُ وَاسْتِخْدَامُ خَفَايَا الْحَرَكَةِ وَالسُّرْعَةِ وَالتَّمَوُّجِ حَتَّى يُخَيَّلَ الْجَمَادُ مُتَحَرِّكًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [طه: ٦٦] .

هَذِهِ أَصُولُ السِّحْرِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَقَدْ قَسَّمَهَا الْفَخْرُ فِي «التَّفْسِيرِ» إِلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ لَا تَعْدُو هَذِهِ الْأُصُولَ الثَّلَاثَةَ وَفِي بَعْضِهَا تَدَاخَلٌ. وَلِعُلَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ تَقْسِيمٌ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ جَدْوَى.

وَهَذِهِ الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهَا أَعْمَالٌ مُبَاشِرَةٌ لِلْمَسْحُورِ وَمُتَّصِلَةٌ بِهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ قَابِلِيَّةِ نَفْسِهِ الضَّعِيفَةِ وَهُوَ لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا، وَمَجْمُوعُهَا هُوَ الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ، وَهُوَ الَّذِي

لَا خِلَافَ فِي إِثْبَاتِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ دُونَ تَفْصِيلٍ، وَمَا عَدَاهَا مِنَ الْأَوْهَامِ وَالْمَزَاعِمِ هُوَ شَيْءٌ لَا أَثَرَ لَهُ وَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ لَا مُبَاشَرَةَ لَهُ بِذَاتِ مَنْ يُرَادُ سِحْرُهُ وَيَكُونُ غَائِبًا عَنْهُ فَيَدَّعِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَهَذَا مِثْلَ رَسْمِ أَشْكَالٍ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالطَّلَاسِمِ، أَوْ عَقْدِ خُيُوطٍ وَالنَّفْثُ عَلَيْهَا بَرُقْيَاتٍ مُعَيَّنَةٍ تَتَضَمَّنُ الِاسْتِنْجَادَ بِالْكَوَاكِبِ أَوْ بِأَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ وَالْجِنِّ وَآلِهَةِ الْأَقْدَمِينَ، وَكَذَا كِتَابَةُ اسْمِ الْمَسْحُورِ فِي أَشْكَالٍ، أَوْ وَضْعِ صُورَتِهِ أَوْ بَعْضِ ثِيَابِهِ وَعَلَائِقِهِ وَتَوْجِيهِ كَلَامٍ إِلَيْهَا بِزَعْمِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي حَقِيقَةِ ذَاتِ الْمَسْحُورِ، أَوْ يَسْتَعْمِلُونَ إِشَارَاتٍ خَاصَّةً نَحْوَ جِهَتِهِ أَوْ نَحْوَ بَلَدِهِ وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ بِالْأَرْصَادِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ ابْن الْعَرَبِيِّ فِي «الْقَبَسِ» أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَشَارَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُصْبُعِهِ فِي التَّشَهُّدِ قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ يَسْحَرُ النَّاسَ، أَوْ جَمْعِ أَجْزَاءٍ مُعَيَّنَةٍ وَضَمِّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ مَعَ نِيَّةٍ أَنَّ ذَلِكَ الرَّسْمَ أَوِ الْجَمْعَ لِتَأْثِيرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِضُرٍّ أَوْ خَيْرٍ أَوْ مَحَبَّةٍ أَوْ بُغْضَةٍ