إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ. وَالْمَعِيَّةُ مَعِيَّةُ عِلْمٍ كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كانُوا [المجادلة:
٧] .
ومُسْتَمِعُونَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنْ (سَامِعُونَ) لِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِمَاعِ أَنَّهُ تَكَلُّفُ السَّمَاعِ وَالتَّكَلُّفُ كِنَايَةٌ عَنِ الِاعْتِنَاءِ، فَأُرِيدَ هَنَا عِلْمٌ خَاصٌّ بِمَا يجْرِي بَينهَا وَبَيْنَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي تُوَافِقُهُ الْعِنَايَةُ وَاللُّطْفُ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ: بِآياتِنا وَقَوْلِهِ: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ تَأْكِيدٌ لِلطَّمْأَنَةِ وَرِبَاطَةٌ لِجَأْشِهِمَا.
وَالرَّسُولُ: فَعُولٌ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ، أَيْ مُرْسَلٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مُطَابَقَةُ مَوْصُوفِهِ، بِخِلَافِ فَعُولٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَحَقُّهُ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ سَمَاعًا، وَفَعُولٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ قَلِيلٌ فِي كَلَامِهِمْ وَمِنْهُ: بَقَرَةٌ ذَلُولٌ، وَقَوْلُهُمْ: صَبُوحٌ، لِمَا يُشْرَبُ فِي الصَّبَاحِ، وَغَبُوقٌ، لِمَا يُشْرَبُ فِي الْعَشِيِّ، وَالنَّشُوقُ، لِمَا يُنَشَّقُ مِنْ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِ. وَلَكِنْ رَسُولٌ يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يُجْرَى مَجْرَى الْمَصْدَرِ فَلَا يُطَابِقُ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ فِي تَأْنِيثٍ وَمَا عَدَا الْإِفْرَادَ، وَوَرَدَ فِي كَلَامِهِمْ بِالْوَجْهَيْنِ تَارَةً مُلَازِمًا الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَوَرَدَ مُطَابِقًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فِي سُورَةِ طه [٤٧] ، فَذَهَبَ الْجَوْهَرِيُّ إِلَى أَنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ كَوْنِهِ اسْمًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَبَيْنَ كَوْنِهِ اسْمَ مَصْدَرٍ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَصْدَرًا إِذْ لَا يُعْرَفُ فَعُولٌ مَصْدَرًا لِغَيْرِ الثُّلَاثِيِّ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الْأَشْعَرِ الْجُعْفِيِّ:
أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عَمْرٍو رَسُولًا ... بِأَنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيٌّ
(الْفُتَاحَةُ: الْحُكْمُ) . وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِذْ قَالَ: الرَّسُولُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُرْسَلِ وَبِمَعْنَى الرِّسَالَةِ فَجُعَلَ ثَمَّ (أَيْ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فِي سُورَةِ طَه [٤٧] ) بِمَعْنَى الْمُرْسَلِ، وَجُعَلَ هُنَا بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبِ الْهُذَلِيُّ:
أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْرُ الرَّسُو ... لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرِ
فَهَلْ مِنْ رِيبَةٍ فِي أَنَّ ضَمِيرَ الرَّسُولِ فِي الْبَيْتِ مُرَادٌ بِهِ الْمُرْسَلُونَ. وَتَصْرِيحُ النُّحَاةِ بِأَنَّ فَعُولًا الَّذِي بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يَجُوزُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى حَالَةِ الْمُتَّصِفِ بِهِ مِنَ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ فَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: نَاقَةٌ رَكُوبَةٌ وَرُكُوبٌ، يَقْتَضِي أَنَّ التَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ فِيهِِِِِِِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute