كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْنِ وَالثَّرْوَةِ وَالرَّفَاهِيَةِ، كُلُّ ذَلِكَ تَرَكَهُ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْهُ لِمُطَارَدَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُمْ هَلَكُوا فَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَى شَيْءٍ مِمَّا تَرَكُوا.
كَذلِكَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [٩١] . فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِرَاضِ.
وَجُمْلَةُ: وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ مُعْتَرِضَةٌ أَيْضًا وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَلَيْسَتْ عَطْفًا لِأَجْزَاءِ الْقِصَّةِ لِمَا سَتَعْلَمُهُ. وَالْإِيرَاثُ: جَعْلُ أَحَدٍ وَارِثًا. وَأَصْلُهُ إِعْطَاءُ مَالِ الْمَيِّتِ وَيُطْلَقُ عَلَى إِعْطَاءِ مَا كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِ الْمُعْطَى (بِفَتْحِ الطَّاءِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها [الْأَعْرَاف: ١٣٧] ، أَيْ أَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرْضَ الشَّامِ، وَقَالَ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فاطر: ٣٢] .
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَرْزَأَ أَعْدَاءَ مُوسَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ نَعِيمٍ إِذْ أَهْلَكَهُمْ وَأَعْطَى بَنِي إِسْرَائِيلَ خَيْرَاتٍ مِثْلَهَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَعْطَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا كَانَ بِيَدِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنَ الْجَنَّاتِ وَالْعُيُونِ وَالْكُنُوزِ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَارَقُوا أَرْضَ مِصْرَ حِينَئِذٍ وَمَا رَجَعُوا إِلَيْهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ [٢٨] كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ. وَلَا صِحَّةَ لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُ أَهْلِ قِصَصِ الْقُرْآنِ مِنْ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا فَمَلَكُوا مِصْرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَمْلِكُوا مِصْرَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا سَائِرَ الدَّهْرِ فَلَا مَحِيصَ مِنْ صَرْفِ الْآيَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَى تَأْوِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّارِيخُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي سُورَةِ الدُّخَانِ.
فَضَمِيرُ أَوْرَثْناها هُنَا عَائِدٌ لِلْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَسْمَاءُ أَجْنَاسٍ، أَيْ أَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ جَنَّاتٍ وَعُيُونًا وَكُنُوزًا، فَعَوْدُ الضَّمِيرِ هُنَا إِلَى لَفْظٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْجِنْسِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الِاسْتِخْدَامِ وَأَقْوَى مِنْهُ، أَيْ أَعْطَيْنَاهُمْ أَشْيَاءَ مَا كَانَتْ لَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَكَانَتْ لِلْكَنْعَانِيِّينَ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَغَلَبُوهُمْ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَالشَّامِ. وَقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ [النِّسَاء: ١٧٦] ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَرْءَ الَّذِي هَلَكَ يَرِثُ أُخْتَهُ الَّتِي لَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ بَلِ
الْمُرَادُ: وَالْمَرْءُ يَرِثُ أُخْتًا لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute