بِاللَّامِ. وَعَنِ الزَّجَّاجِ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ اسْمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي أُرْسِلَ إِلَيْهَا شُعَيْبٌ كَانَ لَيْكَةَ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: وَجَدْنَا فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَنَّ لَيْكَةَ اسْمُ الْقَرْيَةِ وَالْأَيْكَةُ الْبِلَادُ كُلُّهَا كَمَكَّةَ وَبَكَّةَ.
وَهَذَا مِنَ التَّغْيِيرِ لِأَجْلِ التَّسْمِيَةِ، كَمَا سَمَّوْا شُمْسًا بِضَمِّ الشِّينِ لِيَكُونَ عَلَمًا وَأَصْلُهُ الشَّمْسُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ. وَالتَّغْيِيرُ لِأَجْلِ النَّقْلِ إِلَى الْعِلْمِيَّةِ وَارِدٌ بِكَثْرَةٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي «شَرْحِ مُشْكِلِ الْحَمَاسَةِ» عِنْدَ قَوْلِ تَأَبَّطَ شَرًّا:
إِنِّي لَمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَقَاصِدٌ ... بِهِ لِابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شَمْسِ بْنِ مَالِكٍ
وَذَكَرَهُ فِي «الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ أَبِي لَهَبٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ قَبْلَ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، فَلَمَّا صَارَ اسْمُ لَيْكَةَ عَلَمًا عَلَى الْبِلَادِ جَازَ مَنْعُهُ مِنَ الصَّرْفِ لِذَلِكَ،
وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ كَمَا تَوَهَّمَهُ النَّحَّاسُ، وَلَا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ اغْتِرَارٌ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ كَمَا تَعَسَّفَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» عَلَى عَادَتِهِ فِي الِاسْتِخْفَافِ بِتَوْهِيمِ الْقُرَّاءِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْقِرَاءَاتِ عَلَى الرِّوَايَةِ قَبْلَ نَسْخِ الْمَصَاحِفِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ فَلَا تَتَّبِعُوا الْأَوْهَامَ الْمُخْطِئَةَ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَنَّ أَصْحَابَ لَيْكَةَ هُمْ مَدْيَنُ أَوْ هُمْ قَوْمٌ آخَرُونَ سَاكِنُونَ فِي لَيْكَةَ جِوَارِ مَدْيَنَ أُرْسِلَ شُعَيْبٌ إِلَيْهِمْ وَإِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ. وَإِلَى هَذَا مَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أُرْسِلَ شُعَيْبٌ إِلَى أُمَّتَيْنِ: إِلَى قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ وَإِلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: أُرْسِلَ شُعَيْبٌ إِلَى قَوْمِهِ أَهْلِ مَدْيَنَ وَإِلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ.
وَفِي «تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ» : رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ قَوْمَ مَدْيَنَ وَأَصْحَابَ الْأَيْكَةِ أُمَّتَانِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا شُعَيْبًا النَّبِيءَ»
، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذَا غَرِيبٌ، وَفِي رَفْعِهِ نَظَرٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. وروى ابْن جريج عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَيْكَةِ هُمْ أَهْلُ مَدْيَنَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ أَهْلَ الْأَيْكَةِ قَبِيلَةٌ غَيْرُ مَدْيَنَ فَإِنَّ مَدْيَنَ هُمْ أَهْلُ نَسَبِ شُعَيْبٍ وَهُمْ ذَرِّيَّةُ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ زَوْجِهِ «قَطُورَةَ» سَكَنَ مَدْيَنُ فِي شَرْقِ بَلَدِ الْخَلِيلِ كَمَا فِي التَّوْرَاةِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَهُ بَلَدًا مَأْهُولًا بِقَوْمٍ فَهُمْ إِذَنْ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ فَبَنَى مَدْيَنُ وَبَنُوهُ الْمَدِينَةَ وَتَرَكُوا الْبَادِيَةَ لِأَهْلِهَا وَهُمْ سُكَّانُ الْغَيْضَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute