للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْبُشْرَى: اسْمٌ لِلتَّبْشِيرِ، وَوَصْفُ الْكِتَابِ بِالْهُدَى وَالْبُشْرَى جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، وَإِنَّمَا الْهَادِي وَالْمُبَشِّرُ اللَّهُ أَوِ الرَّسُولُ بِسَبَبِ الْكِتَابِ. وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ مَا فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ مَعْنَى: أُشِيرُ، كَقَوْلِهِ: وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هود: ٧٢] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ.

ولِلْمُؤْمِنِينَ يَتَنَازَعُهُ هُدىً وَبُشْرى لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِهَدْيِهِ كَقَوْلِهِ:

هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَة: ٢] .

وَوَصْفُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَوْصُولِ لِتَمْيِيزِهِمْ عَنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ عُرِفُوا يَوْمَئِذٍ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِعْطَاءِ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَ الْكُفَّارَ بِقَوْلِهِ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [فصلت: ٦، ٧] ، وَلِأَنَّ فِي الصِّلَةِ إِيمَاءً إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَمُفْلِحُونَ.

والزَّكاةَ: الصَّدَقَةُ لِأَنَّهَا تُزَكِّي النَّفْسَ أَوْ تُزَكِّي الْمَالَ، أَيْ تَزِيدُهُ بَرَكَةً. وَالْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ هُنَا الصَّدَقَةُ مُطْلَقًا أَوْ صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ كَانَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مُوَاسَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْمُشْرِكِينَ بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ [الْفجْر: ١٧، ١٨] . وَأَمَّا الزَّكَاةُ الْمُقَدَّرَةُ بِالنُّصُبِ وَالْمَقَادِيرِ الْوَاجِبَةِ عَلَى أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ بَعْدَ الْهِجْرَة فَلَيْسَتْ مرَادا هُنَا لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ.

وَجُمْلَةُ: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ عَطْفٌ عَلَى الصِّلَةِ وَلَيْسَتْ مِنَ الصِّلَةِ، وَلِذَلِكَ خُولِفَ بَيْنَ أُسْلُوبِهَا وَأُسْلُوبِ الصِّلَةِ فَأُتِيَ لَهُ بِجُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ اهْتِمَامًا بِمَضْمُونِهَا لِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، على أَنَّ ضَمِيرَ هُمْ الثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ ضَمِيرَ فَصْلٍ دَالًّا عَلَى الْقَصْرِ، أَيْ مَا يُوقِنُ بِالْآخِرَةِ إِلَّا هَؤُلَاءِ.

وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُجَاوَرِيهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِلَّا فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُوقِنُونَ بِالْآخِرَةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ غَيْرُ مَقْصُودٍ حَالُهُمْ لِلْمُخَاطِبِينَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَتَقْدِيمُ بِالْآخِرَةِ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ وللاهتمام بهَا.