للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلِهِمْ: حَمَامَةٌ ذَكَرٌ وَحَمَامَةٌ أُنْثَى، وَقَوْلِهِمْ: وَهُوَ وَهِيَ.

اه.

وَلَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» إِنْ كَانَ قَصَدَ تَأْيِيدَ قَوْلَةِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْوَصْفِ بِالتَّذْكِيرِ مَا يَقُومُ مَقَامُهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَتُقَاسُ حَالَةُ الْفِعْلِ عَلَى حَالَةِ الْوَصْفِ، إِلَّا أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ جَاءَ بِكَلَامٍ غَيْرِ صَرِيحٍ لَا يُدْرَى أَهْوَ تَأْيِيدٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَمْ خُرُوجٌ مِنَ الْمضيق. فَلم يقدم عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَقْتَرِنُ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ إِذَا أُرِيدَ التَّفْرِقَةُ فِي حَالَةِ فَاعِلِهِ. وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُنَيِّرِ فِي «الِانْتِصَافِ» وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي «إِيضَاحِ الْمُفَصَّلِ» وَالْقَزْوِينِيُّ فِي «الْكَشْفِ عَلَى الْكَشَّافِ» . وَرَأَوْا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ذُهِلَ فِيمَا قَالَهُ بِأَنَّهُ لَا يساعد قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَيِمَّةِ اللُّغَةِ وَلَا يَشْهَدُ بِهِ اسْتِعْمَالٌ وَلَا سِيَّمَا نحاة الْكُوفَة بِبَلَدِهِ فَإِنَّهُمْ زَادُوا فَجَوَّزُوا تَأْنِيثَ الْفِعْلِ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ عَلَمًا مُؤَنَّثَ اللَّفْظِ مِثْلُ: طَلْحَةُ وَحَمْزَةُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ إِمَامَةَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ لَا تُنَافِي أَنْ تَكُونَ مَقَالَتُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ غَيْرَ ضَلِيعَةٍ. وَأَعْجَبُ مِنْ ذُهُولِ أَبِي حَنِيفَةَ انْفِحَامُ قَتَادَةَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْكَلَامِ. وَغَالِبُ ظَنِّي أَن

الْقِصَّة مُخْتَلفَة اخْتِلَاقًا غَيْرَ مُتْقَنٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهَا دَلَالَةً وَلِلنَّمْلِ الَّذِي مَعَهَا فَهْمًا لَهَا وَأَنْ يَخْلُقَ فِيهَا إِلْهَامًا بِأَنَّ الْجَيْشَ جَيْشُ سُلَيْمَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُعْجِزَةِ لَهُ.

وَالْحَطْمُ: حَقِيقَتُهُ الْكَسْرُ لِشَيْءٍ صُلْبٍ. وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلرَّفْسِ بِجَامِعِ الْإِهْلَاكِ. وَلَا يَحْطِمَنَّكُمْ إِنْ جُعِلَتْ لَا فِيهِ نَاهِيَةً كَانَتِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً تَكْرِيرًا لِلتَّحْذِيرِ وَدَلَالَةً عَلَى الْفَزَعِ لِأَنَّ الْمُحَذِّرَ مِنْ شَيْءٍ مُفْزِعٌ يَأْتِي بِجُمَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ فَرْطِ الْمَخَافَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ حَطْمِ سُلَيْمَانَ إِيَّاهُنَّ كِنَايَةً عَنْ نَهْيِهِنَّ عَنِ التَّسَبُّبِ فِيهِ وَإِهْمَالِ الْحَذَرِ مِنْهُ كَمَا يُقَالُ: لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا، أَيْ لَا تَفْعَلْهُ فَأَعْرِفْكَ بِفِعْلِهِ، وَالنُّونُ تَوْكِيدٌ لِلنَّهْيِ وَإِنْ جُعِلَتْ لَا نَافِيَةً كَانَتِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةً فِي جَوَابِ الْأَمْرِ فَكَانَ لَهَا حُكْمُ جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ. فَالتَّقْدِيرُ: إِنْ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ، أَيْ يَنْتَفِ حَطْمُ سُلَيْمَانَ إِيَّاكُنَّ، وَإِلَّا حَطَّمَكُمْ.

وَهَذَا مِمَّا جَوَّزَهُ فِي «الْكَشَّافِ» . وَفِي هَذَا الْوَجْهِ كَوْنُ الْفِعْلِ مُؤَكَّدًا بِالنُّونِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِ لَا وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى رَأْيِ الْمُحَقِّقِينَ إِلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَهُ مِنَ النُّحَاةِ فَيَمْنَعُ أَنْ تُجْعَلَ لَا نَافِيَةً هُنَا. وَصَاحِبُ «الْكَشَّافِ» جَعَلَهُ مِنَ اقْتِرَانِ جَوَابِ الشَّرْطِ بِنُونِ