وَكَانَ عَرَبُ الْيَمَنِ أَيَّامَئِذٍ مِنْ عَبَدَةِ الشَّمْسِ ثُمَّ دَخَلَتْ فِيهِمُ الدِّيَانَةُ الْيَهُودِيَّةُ فِي زَمَنِ تُبَّعَ أَسْعَدَ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ، وَلِكَوْنِهِمْ عَبَدَةَ شَمْسٍ كَانُوا يُسَمَّوْنَ عَبْدَ شَمْسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْمِ سَبَأٍ.
وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي أُلْقِيَ إِلَى سُلَيْمَانَ أُصُولَ الْجُغْرَافِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ مِنْ صِفَةِ الْمَكَانِ وَالْأَدْيَانِ، وَصِبْغَةِ الدَّوْلَةِ وَثَرْوَتِهَا، وَوَقَعَ الِاهْتِمَامُ بِأَخْبَارِ مَمْلَكَةِ سَبَأٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَهَمُّ لِمُلْكِ سُلَيْمَانَ إِذْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِمَمْلَكَتِهِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا الْبَحْرُ الْأَحْمَرُ، فَأُمُورُ هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ أَجْدَى بِعَمَلِهِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مِنْ سَبَإٍ بِالصَّرْفِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَالْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِفَتْحَةٍ غَيْرَ مَصْرُوفٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْبِلَادِ أَوِ الْقَبِيلَةِ. وَقَرَأَهُ قُنْبُلُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْفِ إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ.
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) .
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى لِسَانِ الْهُدْهُدِ، فَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَلَامٌ آخَرُ مِنَ الْقُرْآنِ ذُيِّلَ بِهِ الْكَلَامُ الْمُلْقَى إِلَى سُلَيْمَانَ، فَالْوَاوُ لِلِاعْتِرَاضِ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُلْقَى لِسُلَيْمَانَ وَبَيْنَ جَوَابِ سُلَيْمَانَ، وَالْمَقْصُودُ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ.
وَقَوْلُهُ: أَلَّا يَسْجُدُوا قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ فِي الْخَطِّ مِنْ (أَنْ) وَ (لَا) النَّافِيَةِ كُتِبَتَا كَلِمَةً وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِحَالَةِ النُّطْقِ بِهَا عَلَى كُلِّ الْمَعَانِي الْمُرَادَّةِ مِنْهَا.
ويَسْجُدُوا فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ. وَيُقَدَّرُ لَامُ جَرٍّ يتَعَلَّق ب فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أَيْ صَدَّهُمْ لِأَجْلِ أَنْ لَا يَسْجُدُوا لِلَّهِ، أَيْ فَسَجَدُوا لِلشَّمْسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute