الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ نُورَ النَّهَارِ سَبَبُ الْإِبْصَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ لِلتَّعْدِيَةِ مِنْ أَبْصَرَهُ، إِذَا جَعَلَهُ بَاصِرًا.
وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ تَعْلِيل للتعجيب مِنْ حَالِهِمْ إِذْ لَمْ يَسْتَدِلُّوا بِاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَلَا عَلَى الْبَعْثِ.
وَوَجْهُ كَوْنِ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةً كَمَا اقْتَضَاهُ الْجَمْعُ هُوَ أَنَّ فِي نِظَامِ اللَّيْلِ آيَاتٍ عَلَى الِانْفِرَادِ بِخَلْقِ الشَّمْسِ وَخَلْقِ نُورِهَا الْخَارِقِ لِلظُّلُمَاتِ، وَخَلْقِ الْأَرْضِ، وَخَلْقِ نِظَامِ دَوَرَانِهَا الْيَوْمِيِّ تُجَاهَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ وَهِيَ الدَّوْرَةُ الَّتِي تُكَوِّنُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَفِي خَلْقِ طَبْعِ الْإِنْسَانِ بِأَنْ يَتَلَقَّى الظُّلْمَةَ بِطَلَبِ السُّكُونِ لِمَا يَعْتَرِي الْأَعْصَابَ مِنَ الْفُتُورِ دُونَ بَعْضِ الدَّوَابِّ الَّتِي تَنْشَطُ فِي اللَّيْلِ كَالْهَوَامِّ وَالْخَفَافِيشِ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى تَعَاقُبِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، فَتِلْكَ آيَاتٌ وَفِي كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا دَقَائِقُ وَنُظُمٌ عَظِيمَةٌ لَوْ بُسِطَ الْقَوْلُ فِيهَا لَأَوْعَبَ مُجَلَّدَاتٍ مِنَ الْعُلُومِ.
وَفِي جَعْلِ النَّهَارِ مُبْصِرًا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الوحدانية ودقة صنع تُقَابِلُ مَا تَقَدَّمَ فِي آيَاتِ
جَعْلِ اللَّيْلِ سَكَنًا. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا إِحَالَةَ وَلَا اسْتِبْعَادَ فِي الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَنَّهُ نَظِيرُ بَعْثِ الْيَقَظَةِ بَعْدَ النَّوْمِ، وَفِي جَلِيلِ تِلْكَ الْآيَاتِ وَدَقِيقِهَا عِدَّةُ آيَاتٍ فَهَذَا وَجْهُ جَعْلِ ذَلِكَ آيَاتٍ وَلَمْ يُجْعَلْ آيَتَيْنِ.
وَمَعْنَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لِنَاسٍ شَأْنُهُمُ الْإِيمَانُ وَالِاعْتِرَافُ بِالْحُجَّةِ وَلِذَلِكَ جُعِلَ الْإِيمَانُ صِفَةً جَارِيَةً عَلَى قَوْمٍ لِمَا قُلْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّ إِنَاطَةَ الْحُكْمِ بِلَفْظ (قوم) يومىء إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَأَنَّهُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [التَّوْبَة: ٥٦] ، أَيِ الْفَرَقُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُونَ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَفْرَقُونَ، أَيْ فِي ذَلِكَ آيَاتٌ لِمَنْ مَنْ شِعَارُهُمُ التَّدَبُّرُ وَالِاتِّصَافُ، أَيْ فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ.
وَلِكَوْنِ الْإِيمَانِ مَقْصُودًا بِهِ أَنَّهُ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ جِيءَ فِيهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّ فِي ذَلِكَ آيَاتٍ لِلَّذِينَ آمَنُوا لِأَنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْفَحْوَى وَالْأَوْلَوِيَّةِ، فَصَارَ الْمَعْنَى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِمَنْ يُرْجَى مِنْهُمُ الْإِيمَانُ عِنْدَ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ لِمَنْ شاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute