وَمَعْنَى إِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ إِرَاءَتُهُمْ مُقَدِّمَاتِهِ وَأَسْبَابَهُ.
وَفِرْعَوْنُ الَّذِي أُرِيَ ذَلِكَ هُوَ مَلِكُ مِصْرَ (مِنْفَتَاحُ) الثَّالِثُ وَهُوَ الَّذِي حَكَمَ مِصْرَ بَعْدَ (رَعْمَسِيسَ) الثَّانِي الَّذِي كَانَتْ وِلَادَةُ مُوسَى فِي زَمَانِهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَحْذَرُ ظُهُورَ رَجُلٍ مِنْ إِسْرَائِيلَ يَكُونُ لَهُ شَأْنٌ. وهامانَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ وَزِيرُ فِرْعَوْنَ. وَظَاهِرُ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَزِيرُ فِرْعَوْنَ وَأَحْسَبُ أَنْ هَامَانَ لَيْسَ بَاسِمِ عَلَمٍ وَلَكِنَّهُ لَقَبُ خِطَّةٍ مِثْلُ
فِرْعَوْنَ وَكِسْرَى وَقَيْصَرَ وَنَجَاشِيٍّ. فَالظَّاهِرُ أَنْ هَامَانَ لَقَبُ وَزِيرِ الْمَلِكِ فِي مِصْرَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ. وَجَاءَ فِي كِتَابِ «أَسْتِيرَ» مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ الْمُلْحَقَةِ بِالتَّوْرَاةِ تَسْمِيَة وَزِير (أحشويروش) مِلْكِ الْفُرْسِ (هَامَانُ) فَظَنُّوهُ عَلَمًا فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِفِرْعَوْنَ وَزِيرٌ اسْمُهُ هَامَانُ وَاتَّخَذُوا هَذَا الظَّنَّ مَطْعَنًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَهَذَا اشْتِبَاهٌ مِنْهُمْ فَإِنَّ الْأَعْلَامَ لَا تَنْحَصِرُ وَكَذَلِكَ أَلْقَابُ الْوِلَايَاتِ قَدْ تَشْتَرِكُ بَيْنَ أُمَمٍ وَخَاصَّةً الْأُمَمَ الْمُتَجَاوِرَةَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هامانَ عَلَمًا مِنَ الْأَمَانِ فَإِنَّ الْأَعْلَامَ تَتَكَرَّرُ فِي الْأُمَمِ وَالْعُصُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَقَبَ خِطَّةٍ فِي مِصْرَ فَنَقَلَ الْيَهُودُ هَذَا اللَّقَبَ إِلَى بِلَادِ الْفُرْسِ فِي مُدَّةِ أَسْرِهِمْ.
وَيُشْبِهُ هَذَا الطَّعْنَ طَعْنُ بَعْضِ الْمُسْتَشْرِقِينَ مِنْ نَصَارَى الْعَصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِ مَرْيَمَ حِينَ حَكَى قَوْلَ أَهْلِهَا لَهَا يَا أُخْتَ هارُونَ [مَرْيَم: ٢٨] فَقَالُوا: هَذَا وَهَمٌ انْجَرَّ مِنْ كَوْنِ أَبِي مَرْيَمَ اسْمُهُ عِمْرَانُ فَتَوَهَّمَ أَنَّ عِمْرَانَ هُوَ أَبُو مُوسَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَبِعَ ذَلِكَ تَوَهُّمُ أَنَّ مَرْيَمَ أُخْتُ مُوسَى وَهَارُونَ وَهُوَ مُجَازَفَةٌ فَإِنَّ النَّصَارَى لَا يَعْرِفُونَ اسْمَ أَبِي مَرْيَمَ وَهَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُسَمًّى عَلَى اسْمِ أَبِي مُوسَى وَهَارُونَ وَهَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِمَرْيَمَ أَخٌ اسْمُهُ هَارُونُ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ.
وَالْجُنُودُ جَمْعُ الْجُنْدِ. وَيُطْلِقُ الْجُنْدُ عَلَى الْأُمَّةِ قَالَ تَعَالَى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ [البروج: ١٧، ١٨] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَنُرِيَ بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَنَصْبِ الْفِعْلِ وَنَصْبِ فِرْعَوْنَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَيَرَى بِيَاءِ الْغَائِبِ مَفْتُوحَةً وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ رَأَى وَرَفْعِ فِرْعَوْنَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. وَمَآلُ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute