للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعَطْفِ فِي قِرَاءَةِ

الْجُمْهُورِ غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِأَنَّهُ قَصَدَ هُنَا التَّوَازُنَ بَيْنَ حُجَّةِ مَلَإِ فِرْعَوْنَ وَحُجَّةِ مُوسَى، لِيَظْهَرَ لِلسَّامِعِ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي مُصَادَفَةِ الْحَقِّ وَيَتَبَصَّرَ فَسَادَ أَحَدِهِمَا وَصِحَّةَ الْآخَرِ، وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ، فَلِهَذَا عُطِفَتِ الْجُمْلَةُ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ غَيْرِ الْغَالِبِ للتّنْبِيه على أَن فِيهِ خُصُوصِيَّة غير الْمَعْهُودَة فِي مثله فَتكون معرفَة التَّفَاوُت بَين المحتجين محَالة عَلَى النَّظَرِ فِي مَعْنَاهُمَا. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ قالَ مُوسى بِدُونِ وَاوٍ وَهِيَ مَرْسُومَةٌ فِي مُصْحَفِ أَهِلِ مَكَّةَ بِدُونِ وَاوٍ عَلَى أَصْلِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْقِرَاءَتَيْنِ الْوَفَاءُ بِحَقِّ الْخُصُوصِيَّتَيْنِ مِنْ مُقْتَضَى حَالَيِ الْحِكَايَةِ. وَعَبَّرَ عَنِ اللَّهِ بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِهِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَعْلَمُ الْحَقَّ هُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ لَا آلِهَتُهُمُ الْمَزْعُومَةُ.

وَيُظْهِرُ أَنَّ الْقِبْطَ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَتِهِمُ اسْمٌ عَلَى الرَّبِّ وَاجِبِ الْوُجُودِ الْحَقِّ وَلَكِنْ أَسْمَاءُ آلِهَةٍ مَزْعُومَةً.

وَعَبَّرَ فِي جَانب بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى بِفِعْلِ الْمُضِيِّ وَفِي جَانِبِ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ بِالْمُضَارِعِ لِأَنَّ الْمَجِيءَ بِالْهُدَى الْمُحَقِّقِ وَالْمَزْعُومِ أَمْرٌ قَدْ تَحَقَّقَ وَمَضَى سَوَاءٌ كَانَ الْجَائِي بِهِ مُوسَى أَمْ آبَاؤُهُمُ الْأَوَّلُونَ وَعُلَمَاؤُهُمْ. وَأَمَّا كِيَانُ عَاقِبَةِ الدَّارِ لِمَنْ فَمَرْجُوٌّ لِمَا يَظْهَرُ بَعْدُ. فَفِي قَوْلِهِ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى إِشْهَادٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَلَامٌ مُنْصِفٌ، أَيْ رَبِّي أَعْلَمُ بِتَعْيِينِ الْجَائِي بِالْهُدَى أَنْحَنِ أَمْ أَنْتُمْ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤] .

وَفِي قَوْلِهِ: وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ تَفْوِيضٌ إِلَى مَا سَيَظْهَرُ مِنْ نَصْرِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الآخر وَهُوَ تَعْرِيض بِالْوَعِيدِ بِسُوءِ عَاقِبَتِهِمْ.

وعاقِبَةُ الدَّارِ كَلِمَةٌ جَرَتْ مَجْرَى الْمَثَلِ فِي خَاتِمَةِ الْخَيْرِ بَعْدَ الْمَشَقَّةِ تَشْبِيهًا لِعَامِلِ الْعَمَلِ بِالسَّائِرِ الْمُنْتَجِعِ إِذَا صَادَفَ دَارَ خِصْبٍ وَاسْتَقَرَّ بِهَا وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ. فَأَصْلُ عَاقِبَةُ الدَّارِ: الدَّارُ الْعَاقِبَةُ. فَأُضِيفَتِ الصِّفَةُ إِلَى مَوْصُوفِهَا.

وَالْعَاقِبَةُ: هِيَ الْحَالَةُ الْعَاقِبَةُ، أَيِ الَّتِي تَعْقُبُ، أَيْ تَجِيءُ عَقِبَ غَيْرِهَا، فَيُؤْذِنُ هَذَا اللَّفْظ بتبدل حَالٍ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ، فَلِذَلِكَ لَا تطلق إِلَّا عَلَى الْعَاقِبَةِ الْمَحْمُودَةِ. وَقَدْ