للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجَمِيعِ.

وَأَمَّا آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَزْعُمُونَهَا فَإِنَّهَا مِمَّا تَقْتَضِيهِ إِلَهِيَّةُ فِرْعَوْنَ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ عِنْدَهُمْ هُوَ مَظْهَرُ الْآلِهَةِ الْمَزْعُومَةِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ فِي اعْتِقَادِهِمُ ابْنُ الْآلِهَةِ وَخُلَاصَةُ سِرِّهِمْ، وَكُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا.

وَحَيْثُ قَالَ مُوسَى إِنَّ الْإِلَهَ الْحَقَّ هُوَ رب السَّمَوَات فَقَدْ حَسِبَ فِرْعَوْنُ أَنَّ مَمْلَكَةَ هَذَا الرَّبِّ السَّمَاءُ تَصَوُّرًا مُخْتَلًّا فَفَرَّعَ عَلَى نَفْيِ إِلَهٍ غَيْرِهِ وَعَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الرَّبَّ الْمَزْعُومَ مَقَرُّهُ

السَّمَاءُ أَنْ أَمَرَ هامانُ وَزِيرَهُ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ صَرْحًا يَبْلُغُ بِهِ عَنَانَ السَّمَاءِ لِيَرَى الْإِلَهَ الَّذِي زَعَمَهُ مُوسَى حَتَّى إِذَا لَمْ يَجِدْهُ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَثَبْتَ لَهُمْ عَدَمَ إِلَهٍ فِي السَّمَاءِ إِثْبَاتَ مُعَايَنَةٍ، أَرَادَ أَنْ يَظْهَرَ لِقَوْمِهِ فِي مَظْهَرِ الْمُتَطَلِّبِ لِلْحَقِّ الْمُسْتَقْصِي لِلْعَوَالِمِ حَتَّى إِذَا أَخْبَرَ قَوْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ نَتِيجَةَ بَحْثِهِ أَسْفَرَتْ عَنْ كَذِبِ مُوسَى ازْدَادُوا ثِقَةً بِبُطْلَانِ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَفِي هَذَا الضِّغْثِ مِنَ الْجَدَلِ السُّفِسْطَائِيِّ مَبْلَغٌ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى سُوءِ انْتِظَامِ تَفْكِيرِهِ وَتَفْكِيرِ مَلْئِهِ، أَوْ مَبْلَغُ تَحَيُّلِهِ وَضَعْفِ آرَاءِ قَوْمِهِ.

وهامانُ لَقَبٌ أَوِ اسْمٌ لِوَزِيرِ فِرْعَوْنَ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ أَنْ يَأْمُرَ هامانُ الْعَمَلَةَ أَنْ يَطْبُخُوا الطِّينَ لِيَكُونَ آجُرًّا وَيَبْنُوا بِهِ فَكُنِّيَ عَنِ الْبِنَاءِ بِمُقَدَّمَاتِهِ وَهِيَ إِيقَادُ الْأَفْرَانِ لِتَجْفِيفِ الطِّينِ الْمُتَّخَذِ آجُرًّا. وَالْآجُرُّ كَانُوا يَبْنُونَ بِهِ بُيُوتَهُمْ فَكَانُوا يَجْعَلُونَ قَوَالِبَ مِنْ طِينٍ يَتَصَلَّبُ إِذَا طُبِخَ وَكَانُوا يَخْلِطُونَهُ بِالتِّبْنِ لِيَتَمَاسَكَ قَبْلَ إِدْخَالِهِ التَّنُّورَ كَمَا وَرَدَ وَصْفُ صُنْعِ الطِّينِ فِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ.

وَابْتَدَأَ بِأَمْرِهِ بِأَوَّلِ أَشْغَالِ الْبِنَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْعِنَايَةِ بِالشُّرُوعِ مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْأَمْرِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْبَنَاءِ يَتَأَخَّرُ إِلَى مَا بَعْدَ إِحْضَارِ مَوَادِّهِ فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ فِي إِحْضَارِ تِلْكَ الْمَوَادِّ الَّتِي أَوَّلُهَا الْإِيقَادُ، أَيْ إِشْعَالُ التَّنَانِيرِ لِطَبْخِ الْآجُرِّ. وَعَبَّرَ عَنِ الْآجُرِّ بِالطِّينِ لِأَنَّهُ قِوَامُ صُنْعِ الْآجُرِّ وَهُوَ طِينٌ مَعْرُوفٌ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِبِنَاءٍ مِنْ حَجَرٍ وَكِلْسٍ قَصْدًا لِلتَّعْجِيلِ بِإِقَامَةِ هَذَا الصَّرْحِ الْمُرْتَفِعِ إِذْ لَيْسَ مَطْلُوبًا طُولُ بَقَائِهِ بِإِحْكَامِ بِنَائِهِ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ بَلِ الْمُرَادُ سُرْعَةُ الْوُصُولِ إِلَى ارْتِفَاعِهِ كَيْ يَشْهَدَهُ النَّاسُ، وَيَحْصُلَ الْيَأْسُ ثُمَّ يُنْقَضُ مِنَ الْأَسَاسِ.