للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَخْتارُ وَأَنَّ عَائِدَ الْمَوْصُولِ مَجْرُورٌ بِ (فِي) مَحْذُوفَيْنِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَيَخْتَارُ مَا لَهُمْ فِيهِ الْخَيْرُ، أَيْ يَخْتَارُ لَهُمْ مِنَ الرُّسُلِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ صَالِحٌ بِهِمْ لَا مَا يَشْتَهُونَهُ مِنْ رِجَالِهِمْ.

وَجُمْلَةُ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ اسْتِئْنَافٌ مُؤَكِّدٌ لِمَعْنَى الْقَصْرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْجُمْلَةَ قَبْلَهُ مُفِيدَةُ مُجَرَّدِ التَّقَوِّي. وَصِيغَةُ مَا كانَ تَدُلُّ عَلَى نَفْيٍ لِلْكَوْنِ يُفِيدُ أَشَدَّ مِمَّا يُفِيدُ لَوْ قِيلَ:

مَا لَهُمُ الْخِيَرَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٦٤] .

وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ تَمْهِيدٌ لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَخْتارُ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ أَيْ كَمَا أَنَّ الْخَلْقَ مِنْ خَصَائِصِهِ فَكَذَلِكَ الِاخْتِيَارُ.

والْخِيَرَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ: اسْمٌ لِمَصْدَرِ الِاخْتِيَارِ مِثْلَ الطِّيَرَةِ اسْمٌ لِمَصْدَرِ

التَّطَيُّرِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا. وَفِي «اللِّسَانِ» مَا يُوهِمُ أَنَّ نَظِيرَهُمَا: سَبْيٌ طِيَبَةٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَدْرٌ وَلَا نَقْضُ عَهْدٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّنْظِيرَ فِي الزِّنَةِ لَا فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّهَا زِنَةٌ نَادِرَةٌ.

وَاللَّامُ فِي لَهُمُ لِلْمِلْكِ، أَيْ مَا كَانُوا يَمْلِكُونَ اخْتِيَارًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ حَتَّى يَقُولُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] . وَنَفْيُ الْمِلْكِ عَنْهُمْ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ مَا يَشاءُ لِأَنَّ مَا يَشاءُ يُفِيدُ مَعْنَى مَلْكِ الِاخْتِيَارِ.

وَفِي ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِعُنْوَانِ كَوْنِهِ رَبًّا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ اخْتَارَهُ لِأَنَّهُ رَبُّهُ وَخَالِقُهُ فَهُوَ قَدْ عَلِمَ اسْتِعْدَادَهُ لِقَبُولِ رِسَالَتِهِ.

سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِإِنْشَاءِ تَنْزِيهِ اللَّهِ وَعُلُوِّهُ عَلَى طَرِيقَةِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِتَنَزُّهِهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ. وسُبْحانَ مَصْدَرٌ نَائِبٌ مَنَابَ فِعْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٢] . وَأُضِيفَ سُبْحانَ إِلَى اسْمِهِ الْعَلَمِ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَسُبْحَانَهُ، بَعْدَ أَنْ قَالَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ [الْقَصَص: ٦٩] لِأَنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّنْزِيهِ بِذَاتِهِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ