للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذِهِ الْآيَةِ تَفْسِيرًا مَقْبُولًا أَنْ نَعْتَبِرَ حُكْمَهَا عَامًّا فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِصَلَوَاتِ الْأَبْرَارِ، وَبِذَلِكَ تَسْقُطُ عِدَّةُ وُجُوهٍ مِمَّا فَسَّرُوا بِهِ الْآيَةَ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «وَذَلِكَ عِنْدِي بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا كَانَ عَلَى الْوَاجِبِ مِنَ الْخُشُوعِ وَالْإِخْبَاتِ صَلُحَتْ بِذَلِكَ نَفْسُهُ وَخَامَرَهَا ارْتِقَابُ اللَّهِ تَعَالَى فَاطَّرَدَ ذَلِكَ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَانْتَهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» اه. وَفِيهِ اعْتِبَارُ قُيُودٍ فِي الصَّلَاةِ لَا تُنَاسِبُ التَّعْمِيمَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَحِقُّ أَنْ يُلَقَّنَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي ابْتِدَاءِ تَلْقِينِهِمْ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ.

وَالْوَجْهُ عِنْدِي فِي مَعْنَى الْآيَةِ: أَنْ يُحْمَلَ فِعْلُ تَنْهى عَلَى الْمَجَازِ الْأَقْرَبِ إِلَى الْحَقِيقَةِ وَهُوَ تَشْبِيهُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِالنَّهْيِ، وَتَشْبِيهُ الصَّلَاةِ فِي اشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ بِالنَّاهِي، وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُذَكِّرَاتٍ بِاللَّهِ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكُونَ لِلْمُصَلِّي كَالْوَاعِظِ الْمُذَكِّرِ بِاللَّهِ تَعَالَى إِذْ يَنْهَى سَامِعَهُ عَنِ ارْتِكَابِ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ.

وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: صَدِيقُكَ مِرْآةٌ تَرَى فِيهَا عُيُوبَكَ. فَفِي الصَّلَاةِ مِنَ الْأَقْوَالِ تَكْبِيرٌ لِلَّهِ وتحميده وتسبيحه والتوجيه إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّحْمِيدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالِاعْتِرَافِ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ وَطَلَبِ الْإِعَانَةِ وَالْهِدَايَةِ مِنْهُ وَاجْتِنَابِ مَا يُغْضِبُهُ وَمَا هُوَ ضَلَالٌ، وَكُلُّهَا تُذَكِّرُ بِالتَّعَرُّضِ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ عِصْيَانِهِ وَمَا يُفْضِي إِلَى غَضَبِهِ فَذَلِكَ صَدٌّ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

وَفِي الصَّلَاةِ أَفْعَالٌ هِيَ خُضُوعٌ وَتَذَلُّلٌ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَذَلِكَ يُذَكِّرُ بِلُزُومِ اجْتِلَابِ مَرْضَاتِهِ وَالتَّبَاعُدِ عَنْ سَخَطِهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَصُدُّ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

وَفِي الصَّلَاةِ أَعْمَالٌ قَلْبِيَّةٌ مِنْ نِيَّةٍ وَاسْتِعْدَادٍ لِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَذَلِكَ يُذَكِّرُ بِأَنَّ الْمَعْبُودَ جَدِيرٌ بِأَنْ تُمْتَثَلَ أَوَامِرُهُ وَتُجْتَنَبَ نَوَاهِيهِ.

فَكَانَتِ الصَّلَاةُ بِمَجْمُوعِهَا كَالْوَاعِظِ النَّاهِي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَمْ يَقِلْ تَصُدُّ وَتَحُولُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي صَرْفَ الْمُصَلِّي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.