للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذَا يَرَوْنَهُ مَنْسُوخًا بِمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْقِمَارِ نَهْيًا مُطْلَقًا لَمْ يُقَيَّدْ بِغَيْرِ أَهْلِ الْحَرْبِ. وَتَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُرَاهَنَةَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ جَرَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ شَرْعٌ بِمَكَّةَ أَيَّامَئِذٍ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى إِبَاحَةِ الْمُرَاهِنَةِ وَأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُرَاهَنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ تَشْرِيعٌ أُنُفٌ وَلَيْسَ مِنَ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ.

لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ. وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ أَمْرُ التَّقْدِيرِ وَالتَّكْوِينِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ الْغَلَبَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَا، أَيْ مِنْ قَبْلِ غَلَبِ الرُّومِ عَلَى الْفُرْسِ وَهُوَ الْمُدَّةُ الَّتِي مِنْ يَوْمِ غَلَبِ الْفُرْسِ عَلَيْهِمْ وَمِنْ بَعْدِ غَلَبِ الرُّومِ عَلَى الْفُرْسِ. فَهُنَالِكَ مُضَافَانِ إِلَيْهِمَا مَحْذُوفَانِ. فَبُنِيَتْ قَبْلُ وبَعْدُ عَلَى الضَّمِّ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ لِافْتِقَارِ مَعْنَاهُمَا إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ إِلَيْهِمَا فَأَشْبَهَتَا الْحَرْفَ فِي افْتِقَارِ مَعْنَاهُ إِلَى الِاتِّصَالِ بِغَيْرِهِ. وَهَذَا الْبِنَاءُ هُوَ الْأَفْصَحُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِذَا حُذِفَ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ قَبْلُ وبَعْدُ وَقُدِّرَ لِوُجُودِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُقْصَدُ إِضَافَتُهُمَا بَلْ أُرِيدَ بِهِمَا الزَّمَنُ السَّابِقُ وَالزَّمَنُ اللَّاحِقُ فَإِنَّهُمَا يُعْرَبَانِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ النَّكِرَاتِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْرُبَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَوْ يَزِيدُ بْنُ الصَّعْقِ:

فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلًا ... أَكَادُ أَغَصُّ بِالْمَاءِ الْحَمِيمِ

أَيْ وَكُنْتُ فِي زَمَنٍ سَبَقَ لَا يَقْصِدُ تَعْيِينَهُ، وَجَوَّزَ الْفَرَّاءُ فِيهِمَا مَعَ حَذْفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَنْ تَبْقَى فِيهِمَا حَرَكَةُ الْإِعْرَابِ بِدُونِ تَنْوِينٍ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ ابْنُ هِشَامٍ وَأَنْكَرَهُ الزَّجَاجُ وَجَعَلَ مِنَ الْخَطَإِ رِوَايَةَ قَوْلِ الشَّاعِرِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ:

وَمِنْ قَبْلِ نَادَى كُلُّ مَوْلًى قَرَابَةً ... فَمَا عَطَفَتْ مَوْلًى عَلَيْهِ الْعَوَاطِفُ

بِكَسْرِ لَامِ «قَبْلِ» رَادًّا قَوْلَ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ رُوِيَ بِكَسْرٍ دُونَ تَنْوِينٍ يُرِيدُ الزَّجَاجُ، أَيِ الْوَاجِبُ أَنْ يُرْوَى بِالضَّمِّ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ الْأَمْرُ لِإِبْطَالِ تَطَاوُلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَهَجَهُمْ غَلَبُ الْفُرْسِ عَلَى الرُّومِ لِأَنَّهُمْ عَبَدَةُ أَصْنَامٍ مِثْلَهُمْ لِاسْتِلْزَامِهِ الِاعْتِقَادَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْغَلَبَ مِنْ نَصْرِ الْأَصْنَامِ عُبَّادَهَا، فَبَيَّنَ لَهُمْ بُطْلَانَ ذَلِكَ وَأَنَّ التَّصَرُّفَ لِلَّهِ وَحْدَهُ فِي