: ١١٢] (أَيْ مَنْ آمن) وَقَوله أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يُوسُف: ١٠٨] .
فَالْمَعْنَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ، كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ [الرّوم: ٣١] بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.
وَإِقَامَةُ الْوَجْهِ: تَقْوِيمُهُ وَتَعْدِيلُهُ بِاتِّجَاهِهِ قُبَالَةَ نَظَرِهِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِحَالَةِ الْإِقْبَالِ عَلَى الشَّيْءِ وَالتَّمَحُّضِ لِلشُّغْلِ بِهِ بِحَالِ قِصَرِ النَّظَرِ إِلَى صَوْبِ قُبَالَتِهِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ [الْأَعْرَاف: ٢٩] وَقَوْلِهِ حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الْأَنْعَام: ٧٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمرَان: ٢٠] ، أَيْ أَعْطَيْتُهُ لِلَّهِ، وَذَلِكَ مَعْنَى التَّمْحِيضِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَى مَعْبُودٍ غَيْرِهِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الدِّينُ لِلْعَهْدِ وَهُوَ دِينُهُمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ.
وحَنِيفاً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي فِعْلِ أَقِمْ فَيَكُونُ حَالًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ وَصْفًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً [النَّحْل: ١٢٠] ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي تَفْسِيرِهِ. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ حَالًا مِنَ الدِّينِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الزَّجَّاجُ فَيَكُونُ اسْتِعَارَةً بِتَشْبِيهِ الدِّينِ بِرَجُلٍ حَنِيفٍ فِي خُلُوِّهِ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ، فَيَكُونُ الْحَنِيفُ تَمْثِيلِيَّةً وَفِي إِثْبَاتِهِ لِلدِّينِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ.
وَحَنِيفٌ: صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فِي الِاتِّصَافِ بِالْحَنَفِ وَهُوَ الْمَيْلُ، وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْمَيْلِ عَنِ الْبَاطِلِ، أَيِ الْعُدُولُ عَنْهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْحَقِّ، أَيْ عَادِلًا وَمُنْقَطِعًا عَنِ الشِّرْكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة الْبَقَرَة [١٣٥] .
وفِطْرَتَ اللَّهِ بَدَلٌ مِنْ حَنِيفاً بَدَلُ اشْتِمَالٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحَالِ مِنَ الدِّينُ أَيْضًا وَهُوَ حَالٌ ثَانِيَةٌ فَإِنَّ الْحَالَ كَالْخَبَرِ تَتَعَدَّدُ بِدُونِ عَطْفٍ عَلَى التَّحْقِيقِ عِنْدَ النُّحَاةِ. وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي إِفَادَةِ أَنَّ هَذَا الدِّينَ مُخْتَصٌّ بِوَصْفَيْنِ هُمَا: التَّبَرُّؤُ مِنَ الْإِشْرَاكِ، وَمُوَافَقَتُهُ الْفِطْرَةَ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ دِينٌ سَمْحٌ سَهْلٌ لَا عَنَتَ فِيهِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً [الْكَهْف: ١، ٢] أَيِ الدِّينُ الَّذِي هُوَ فِطْرَةُ اللَّهِ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute