تُقْبَلْ صَدَقَةُ أَحَدٍ وَرَحِمُهُ مُحْتَاجَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: حَقُّ ذِي الْقُرْبَى الْمُوَاسَاةُ فِي الْيُسْرِ، وَقَوْلٌ مَيْسُورٌ فِي الْعُسْرِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مُعْظَمُ مَا قُصِدَ أَمْرُ الْمَعُونَةِ بِالْمَالِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ»
، وَلِلْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ حَقٌّ، وَبَيِّنٌ أَنَّ حَقَّ هَذَيْنِ فِي الْمَالِ اهـ. أَقُولُ وَلِذَلِكَ قَالَ جَمْعٌ كَثِيرٌ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَقَالَ فَرِيقٌ: لَمْ تُنْسَخْ بَلْ لِلْقَرِيبِ حَقٌّ فِي الْبِرِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَيْ لَا نَسْخَ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ بَلْ نَسَخَ بَعْضَهَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ. قُلْتُ: وَمَا بَقِيَ غَيْرَ مَنْسُوخٍ مُخْتَلِفَةٌ أَحْكَامُهُ، وَهُوَ مُجْمَلٌ تُبَيِّنُهُ أَدِلَّةٌ أُخْرَى مُتَفَرِّقَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ.
والْقُرْبى: قُرْبُ النَّسَبِ وَالرَّحِمِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٣٦] . والْمِسْكِينَ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ [٦٠] .
وابْنَ السَّبِيلِ: الْمُسَافِرُ الْمُجْتَازُ بِالْقَرْيَةِ أَوْ بِالْحَيِّ.
وَوَقَعَ الْحَقُّ مُجْمَلًا وَالْحَوَالَةُ فِي بَيَانِهِ عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ وَعَلَى مَا يُبَيِّنُهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَتِ الصَّدَقَةُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَاجِبَةً عَلَى الْجُمْلَةِ مَوْكُولَةً إِلَى حِرْصِ الْمُؤْمِنِ.
وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الزَّكَاةِ فِي آيَاتٍ مَكِّيَّةٍ كَثِيرَةٍ، وَقُرِنَتْ بِالصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ بِهَا فِي تِلْكَ الْآيَاتِ الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَكَانَتْ غَيْرَ مَضْبُوطَةٍ بِنُصُبٍ ثُمَّ ضُبِطَتْ بِأَصْنَافٍ وَنُصُبٍ وَمَقَادِيرَ
مُخْرَجَةٍ عَنْهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ» . وَإِنَّمَا ضُبِطَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَصَارَ مَا عَدَاهَا مِنَ الصَّدَقَةِ غَيْرَ وَاجِبٍ. وَقُصِرَ اسْمُ الزَّكَاةِ عَلَى الْوَاجِبَةِ وَأُطْلِقَ عَلَى مَا عَدَاهَا اسْمُ الصَّدَقَةِ أَوِ الْبِرِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَجِمَاعُ حَقِّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمُوَاسَاةُ بِالْمَالِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ لَهُمْ. وَكَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ إِنَّ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ حَقًّا فَحَقُّ ذِي الْقُرْبَى يَخْتَلِفُ بِحَسْبِ حَاجَتِهِ فَلِلْغَنِيِّ حَقُّهُ فِي الْإِهْدَاءِ تَوَدُّدًا، وَلِلْمُحْتَاجِ حَقٌّ أَقْوَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ذُو الْقُرَابَةِ الضَّعِيفُ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ بِهِ ضَعْفُهُ مَبْلَغَ الْمَسْكَنَةِ بِقَرِينَةِ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْحَقِّ، وَبِقَرِينَةِ مُقَابلَته بقوله لتربوا فِي أَمْوالِ النَّاسِ [الرّوم: ٣٩] عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي تَفْسِيرِهِ. وَأَمَّا إِعْطَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute