للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنَّفْيُ بِلَنْ مُبَالغَة فِي التأييس لِأَنَّهَا لنفي الْمُسْتَقْبل وتأبيده.

وَالْمِلَّةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ وَهِيَ مَجْمُوعُ عَقَائِدَ وَأَعْمَالٍ يَلْتَزِمُهَا طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهَا وَتَكُونُ جَامِعَةً لَهُمْ كَطَرِيقَةٍ يَتَّبِعُونَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَمَلَّ الْكِتَابَ فَسُمِّيَتِ الشَّرِيعَةُ مِلَّةً لِأَنَّ الرَّسُولَ أَوْ وَاضِعَ الدِّينِ يُعْلِمُهَا لِلنَّاسِ وَيُمْلِلُهَا عَلَيْهِمْ كَمَا سُمِّيَتْ دِينًا بِاعْتِبَارِ قَبُولِ الْأُمَّةِ لَهَا وَطَاعَتِهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ.

وَمَعْنَى الْغَايَةِ فِي حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ الْكِنَايَةُ عَنِ الْيَأْسِ مِنِ اتِّبَاعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا لَا يَرْضَوْنَ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِ مِلَّتَهُمْ فَهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ مِلَّتَهُ، وَلَمَّا كَانَ اتِّبَاعُ النَّبِيءِ مِلَّتَهُمْ مُسْتَحِيلًا كَانَ رِضَاهُمْ عَنْهُ كَذَلِكَ عَلَى حَدِّ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ

فِي سَمِّ الْخِياطِ

[الْأَعْرَاف: ٤٠] وَقَوْلُهُ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الْكَافِرُونَ: ٢، ٣] وَالتَّصْرِيحُ بِلَا النَّافِيَةِ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا النَّصارى لِلتَّنْصِيصِ عَلَى استقلالهم بِالنَّفْيِ وَعدم الِاقْتِنَاعُ بِاتِّبَاعِ حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُظَنُّ بِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ لِإِظْهَارِهِمْ شَيْئًا مِنَ الْمَوَدَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى [الْمَائِدَة: ٨٢] وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّبِعٍ مِلَّتَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ الْقُرْآنَ لِأَنَّهُ جَاءَ بِنَسْخِ كِتَابَيْهِمْ.

وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى أَمْرٌ بِالْجَوَابِ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَلَنْ تَرْضى مِنْ خُلَاصَةِ أَقْوَالٍ لَهُمْ يَقْتَضِي مَضْمُونُهَا أَنَّهُمْ لَا يُرْضِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يَدْعُوهُمُ النَّبِيءُ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مِلَّتَهُمْ هُدًى فَلَا ضَيْرَ عَلَيْهِ إِنِ اتَّبَعَهَا مِثْلَ قَوْلِهِمْ:

لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَة: ١١١] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّلَوُّنِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِي جَوَابِهِمْ بِمَا هُوَ الْأُسْلُوبُ فِي الْمُجَاوَبَةِ مِنْ فِعْلِ الْقَوْلِ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ قَالُوا مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ.

وهُدَى اللَّهِ مَا يُقَدِّرُهُ لِلشَّخْصِ مِنَ التَّوْفِيقِ أَيْ قُلْ لَهُمْ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ هُدًى إِلَّا أَنْ يَهْدِيَكُمُ اللَّهُ، فَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهُدَى اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيَّ هُوَ الْهُدَى يَعْنِي أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْهُدَى إِبْطَالًا لِغُرُورِهِمْ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّةِ هُوَ الْهُدَى وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ ضَلَالٌ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْهُدَى وَمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنَ الْهُدَى لِأَنَّ أَكْثَرَهُ مِنَ الْبَاطِلِ. فَإِضَافَةُ الْهُدَى إِلَى اللَّهِ تَشْرِيفٌ، وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ حَرَّفُوهُ وَوَضَعُوهُ، فَيَكُونُ الْقَصْرُ إِمَّا حَقِيقِيًّا ادِّعَائِيًّا بِأَنْ يُرَادَ هُوَ الْهُدَى الْكَامِلُ فِي الْهِدَايَةِ فَهُدَى غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ