يَفْعَلُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ، تَقْدِيرُهُ:
حَصَلَ، أَوْ وَجَدَ، أَوْ هِيَ تَبْعِيضِيَّةٌ صِفَةٌ لِمُقَدَّرٍ، أَيْ هَلْ أَحَدٌ مِنْ شُرَكَائِكُمْ. ومِنْ الثَّانِيَةُ فِي قَوْلِهِ مِنْ ذلِكُمْ تَبْعِيضِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ شَيْءٍ. ومِنْ الثَّالِثَةُ زَائِدَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْي.
وَإِضَافَةُ (شُرَكَاءَ) إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ هُمُ الَّذِينَ خَلَعُوا عَلَى الْأَصْنَامِ وَصْفَ الشُّرَكَاءِ لِلَّهِ فَكَانُوا شُرَكَاءَ بِزَعْمِ الْمُخَاطَبِينَ وَلَيْسُوا شُرَكَاءَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهَذَا جَارٍ مَجْرَى التَّهَكُّمِ، كَقَوْلِ خَالِدِ بْنِ الصَّعْقِ لِعَمْرِو بْنِ مَعْدِيَكْرِبَ فِي مَجْمَعٍ مِنْ مَجَامِعِ الْعَرَبِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ فَجُعِلَ عَمْرٌو يُحَدِّثُهُمْ عَنْ غَارَاتِهِ فَزَعَمَ أَنَّهُ أَغَارَ عَلَى نَهْدٍ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ يَقْدُمُهُمْ خَالِدُ بْنُ الصَّعْقِ وَأَنَّهُ قَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ خَالِدُ بْنُ الصَّعْقِ: «مَهْلًا أَبَا ثَوْرٍ قَتِيلُكَ يَسْمَعُ» أَيِ الْقَتِيلُ بِزَعْمِكَ. وَالْقَرِينَةُ قَوْلُهُ «يَسْمَعُ» كَمَا أَنَّ الْقَرِينَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ جُمْلَةُ التَّنْزِيهِ عَنِ الشَّرِيكِ. وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكُمْ إِلَى الْخَلْقِ، وَالرِّزْقِ، وَالْإِمَاتَةِ،
وَالْإِحْيَاءِ، وَهِيَ مَصَادِرُ الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ. وَأُفْرِدَ اسْمُ الْإِشَارَةِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ.
وَجُمْلَةُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ لِإِنْشَاءِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الشَّرِيكِ فِي الْإِلَهِيَّةِ. وَمَوْقِعُهَا بَعْدَ الْجُمْلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ مَوْقِعُ النَّتِيجَةِ بَعْدَ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ حَاصِلَ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْإِلَهَ الْحَقَّ وَهُوَ مُسَمَّى اسْمِ الْجَلَالَةِ هُوَ الَّذِي خَلَقَ وَرَزَقَ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، فَهَذَا فِي قُوَّةِ مُقَدِّمَةٍ هِيَ صُغْرَى قِيَاسٍ، وَحَاصِلُ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ لَا أَحَدَ مِنَ الْأَصْنَامِ بِفَاعِلٍ ذَلِكَ، وَهَذِهِ فِي قُوَّةِ مُقَدِّمَةٍ هِيَ كُبْرَى قِيَاسٍ وَهُوَ مِنَ الشَّكْلِ الثَّانِي، وَحَاصِلُ مَعْنَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الشَّرِيكِ أَنْ لَا شَيْءَ مِنَ الْأَصْنَامِ بِإِلَهِ. وَهَذِهِ نَتِيجَةُ قِيَاسٍ مِنَ الشَّكْلِ الثَّانِي. وَدَلِيلُ الْمُقَدِّمَةِ الصُّغْرَى إِقْرَارُ الْخَصْمِ، وَدَلِيلُ الْمُقَدِّمَةِ الْكُبْرَى الْعَقْلُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تُشْرِكُونَ بِفَوْقِيَّةٍ عَلَى الْخِطَابِ تَبَعًا لِلْخِطَابِ فِي آتَيْتُمْ [الرّوم: ٣٩] . وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِتَحْتِيَّةٍ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute