للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِاسْتِحْضَارِ الصُّوَرِ الْعَجِيبَةِ فِي تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى كَأَنَّ السَّامِعَ يُشَاهِدُ تَكْوِينَهَا مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ.

وَجُمِعَ الرِّياحَ لِمَا شَاعَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مِنْ إِطْلَاقِهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى رِيحِ الْبِشَارَةِ بِالْمَطَرِ لِأَنَّ الرِّيَاحَ الَّتِي تُثِيرُ السَّحَابَ هِيَ الرِّيَاحُ الْمُخْتَلِفَةُ جِهَاتُ هُبُوبِهَا بَيْنَ: جَنُوبٍ وَشَمَالٍ وَصَبًا وَدَبُورٍ، بِخِلَافِ اسْمِ الرِّيحِ الْمُفْرَدَةِ فَإِنَّهُ غَلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِطْلَاقُهُ عَلَى رِيحِ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ لِأَنَّهَا تَتَّصِلُ وَارِدَةً مِنْ صَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَا تَزَالُ تَشْتَدُّ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا لَا رِيحًا»

(١) . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] .

وَالْإِثَارَةُ: تَحْرِيكُ الْقَارِّ تَحْرِيكًا يَضْطَرِبُ بِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَإِثَارَةُ السَّحَابِ إِنْشَاؤُهُ بِمَا تُحْدِثُهُ الرِّيَاحُ فِي الْأَجْوَاءِ مِنْ رُطُوبَةٍ تَحْصُلُ مِنْ تَفَاعُلِ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ.

وَالْبَسْطُ: النَّشْرُ. وَالسَّمَاءُ: الْجَوُّ الْأَعْلَى وَهُوَ جَوُّ الْأَسْحِبَةِ.

وكَيْفَ هُنَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَمَوْقِعُهَا الْمَفْعُولِيَّةُ الْمُطلقَة من فَيَبْسُطُهُ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنِ الْمَصْدَرِ، أَيْ: يَبْسُطُهُ بَسْطًا كَيْفِيَّتُهُ يَشَاؤُهَا اللَّهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٦] . وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا شَرْطٌ لَمْ يُصَادِفِ الصَّوَابَ.

وكِسَفاً بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ جَمْعُ كِسْفٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَيُقَالُ: كِسْفَةٌ بَهَاءِ تَأْنِيثِ وَهُوَ الْقِطْعَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٩٢] . وَتَقَدَّمَ الْكِسَفُ فِي قَوْلِهِ فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاء [١٨٧] . وَالْمعْنَى: أَنه يَبْسُطُ السَّحَابَ فِي السَّمَاءِ تَارَةً، أَيْ يَجْعَلُهُ مُمْتَدًّا عَامًّا فِي جَوِّ السَّمَاءِ وَهُوَ الْمُدَجَّنُ الَّذِي يُظْلِمُ بِهِ الْجَوُّ وَيُقَالُ الْمُغْلَقُ، وَيَجْعَلُهُ كِسَفَا أَيْ تَارَةً أُخْرَى كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُقَابَلَةُ، أَيْ: يَجْعَلُهُ غَمَامَاتٍ لِأَنَّ حَالَةَ جَعْلِهِ كِسَفًا غَيْرُ حَالَةِ بَسْطِهِ فِي


(١) عَن الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد ضَعِيف. [.....]