كَالْمَوْتَى وَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى. وَهَذَا مَعْذِرَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِدَاءٌ عَلَى أَنَّهُ بَذَلَ الْجُهْدَ فِي التَّبْلِيغِ. وَفِيمَا عَدَا الْفَاءِ فَالْآيَةُ نَظِيرُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النَّمْلِ وَنَزِيدُ هُنَا فَنَقُولُ: إِنَّ تَعْدَادَ التَّشَابِيهِ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ طَوَائِفِ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ تَشْبِيهٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ التَّوَغُّلُ فِي الشِّرْكِ فَلَا يُصَدِّقُونَ بِمَا يُخَالِفُهُ وَلَا يَتَأَثَّرُونَ بِالْقُرْآنِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ فَهَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْوَاتِ أَشْبَاحٌ بِلَا إِدْرَاكٍ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ دَهْمَاؤُهُمْ وَأَغْلَبُهُمْ وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ بِهِمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْرِضُ عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: فِي آذانِنا وَقْرٌ [فصلت: ٥] وَيَقُولُونَ: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت: ٢٦] وَهَؤُلَاءِ هم ساداتهم ومدبّرو أَمْرَهُمْ يَخَافُونَ إِنْ أَصْغَوْا إِلَى الْقُرْآنِ أَنْ يَمْلِكَ مَشَاعِرَهُمْ فَلِذَلِكَ يَتَبَاعَدُونَ عَنْ سَمَاعِهِ، وَلِهَذَا قُيِّدَ الَّذِي شَبَّهَوَا بِهِ بِوَقْتِ تَوَلِّيهِمْ مُدْبِرِينَ إِعْرَاضًا عَنِ الدَّعْوَةِ، فَهُوَ تَشْبِيهُ تَمْثِيلٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكُوا مَسْلَكَ سَادَاتِهِمْ وَاقْتَفُوا خُطَاهُمْ فَانْحَرَفَتْ أَفْهَامُهُمْ عَنِ الصَّوَابِ فَهُمْ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ الْعَمَلَ بِهِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ اعْتَادُوا مُتَابَعَةَ أَهْوَائِهِمْ وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: ٢٢] وَيَحْصُلُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ تَشْبِيهُ جَمَاعَتِهِمْ بِجَمَاعَةٍ تَجْمَعُ أَمْوَاتًا وَصُمًّا وَعُمْيًا فَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَعَدُّدِ
التَّشَبُّهِ لِمُشَبَّهٍ وَاحِدٍ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ [الْبَقَرَة: ١٩] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَكَسْرِ مِيمٍ تُسْمِعُ وَنَصْبِ الصُّمَّ، عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ بِتَحْتِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ وَبِفَتْحِ مِيمٍ يَسْمَعُ وَرَفَعَ الصُّمُّ على الفاعلية ليسمع. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِهَادِي بِمُوَحَّدَةٍ وَبِأَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ وَبِإِضَافَةِ هَادِي إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute