وَالْهُزْؤُ: مَصْدَرُ هَزَأَ بِهِ إِذَا سَخِرَ بِهِ كَقَوْلِه وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً [الْبَقَرَة: ٢٣١] وَلَمَّا كَانَ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ صَادِقًا عَلَى النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَالَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ إِلَى قِصَصِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جِيءَ فِي وَعِيدِهِمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.
واختبر اسْمُ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَا يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنَ الْخَبَرِ إِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ
لِأَجْلِ مَا سَبَقَ اسْمَ الْإِشَارَةِ مِنَ الْوَصْفِ.
وَجُمْلَةُ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ جُمْلَةِ مَنْ يَشْتَرِي وَجُمْلَةِ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا فَهَذَا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ يَشْتَرِي إِلَخْ. وَالتَّقْدِيرُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي إِلَخْ وإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً فَالْمَوْصُولُ وَاحِدٌ وَلَهُ صِلَتَانِ: اشْتِرَاءُ لَهْوِ الْحَدِيثِ للضلال، والاستكبار عِنْد مَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ.
وَدَلَّ قَوْلُهُ تُتْلى عَلَيْهِ أَنَّهُ يُوَاجَهُ بِتَبْلِيغِ الْقُرْآنِ وَإِسْمَاعِهِ. وَقَوْلُهُ وَلَّى تَمْثِيلٌ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى [النازعات: ٢٢] .
ومُسْتَكْبِراً حَالٌ، أَيْ هُوَ إِعْرَاضُ اسْتِكْبَارٍ لَا إِعْرَاضُ تَفْرِيطٍ فِي الْخَيْرِ فَحَسْبُ.
وَشُبِّهَ فِي ذَلِكَ بِالَّذِي لَا يَسْمَعُ الْآيَاتِ الَّتِي تُتْلَى عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ عَدَمُ التَّأَثُّرِ وَلَوْ تَأَثُّرًا يَعْقُبُهُ إِعْرَاضٌ كَتَأَثُّرِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وكَأَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ (كَأَنَّ) وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ مُسْتَكْبِراً. وَكَرَّرَ التَّشْبِيهَ لِتَقْوِيَتِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الْكَيْفِيَّةِ فِي أَنَّ عَدَمَ السَّمْعِ مَرَّةً مَعَ تَمَكُّنِ آلَةِ السَّمْعَ وَمَرَّةً مَعَ انْعِدَامِ قُوَّةِ آلَتِهِ فَشُبِّهَ ثَانِيًا بِمَنْ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرٌ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَى كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها. وَمِثْلُ هَذَا التَّشْبِيهِ الثَّانِي قَوْلُ لَبِيَدٍ:
فَتَنَازَعَا سَبِطًا يَطِيرُ ظِلَالُهُ ... كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يَشِبُّ ضِرَامُهَا
مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابِتِ عَرْفَجٍ ... كَدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُهَا
وَالْوَقْرُ: أَصْلُهُ الثِّقَلُ، وَشَاعَ فِي الصَّمَمِ مَجَازًا مَشْهُورًا سَاوَى الْحَقِيقَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute