للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ إِلَى آخِرِهَا نَتِيجَةُ الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالدَّوَابِّ وَإِنْزَالِ الْمَطَرِ. وَاسْمُ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ خَلَقَ السَّماواتِ إِلَى قَوْلِهِ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ. وَالْإِتْيَانُ بِهِ مُفْرَدًا بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ. وَالِانْتِقَالُ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ خَلْقُ اللَّهِ الْتِفَاتًا لِزِيَادَةِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْخِطَابَ وَارِدٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ وَكَذَلِكَ يَكُونُ الِانْتِقَالُ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ الْتِفَاتًا لِمُرَاعَاةِ الْعَوْدِ إِلَى الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ خَلْقُ اللَّهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ مِنْ قَوْلِهِ فَأَرُونِي عَلَمِيَّةً، أَيْ فَأَنْبِئُونِي، وَالْفِعْلُ مُعَلَّقًا عَنِ الْعَمَلِ بِالِاسْتِفْهَامِ بِ مَاذَا.

فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَأَرُونِي تَهَكُّمًا لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يُكَافِحُوا اللَّهَ زِيَادَةً عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيزِ، لَكِنَّ التَّهَكُّمَ أَسْبَقُ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ مُكَافَحَةِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعُوا بِعَجْزِهِمْ عَنْ تَعْيِينِ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَطْعًا نَظَرِيًّا.

وَصَوْغُ أَمْرِ التَّعْجِيزِ مِنْ مَادَّةِ الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ أَشَدُّ فِي التَّعْجِيزِ لِاقْتِضَائِهَا الِاقْتِنَاعَ مِنْهُمْ بِأَنْ يُحْضِرُوا شَيْئًا يَدَّعُونَ أَنَّ آلِهَتَهُمْ خَلَقَتْهُ. وَهَذَا كَقَوْلِ حُطَائِطِ بْنِ يَعْفُرَ النَّهْشَلِيِّ (١) وَقِيلِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:

أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هَزْلًا (٢) لَعَلَّنِي ... أَرَى مَا تُزَيِّنُ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدًا

أَيْ: أَحْضِرْنِي جَوَادًا مَاتَ مِنَ الْهُزَالِ وَأَرِينِيهِ لَعَلِّي أَرَى مِثْلَ مَا رَأَيْتِيهِ.

وَالْعَرَبُ يَقْصِدُونَ فِي مِثْلِ هَذَا الْغَرَضِ الرُّؤْيَةَ الْبَصَرِيَّةَ، وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ أَنْ يَقُولَ: مَا

رَأَتْ عَيْنِي، وَانْظُرْ هَلْ تَرَى. وَقَالَ امْرِؤُ الْقَيْسِ:

فَلِلَّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ ... أَشَتَّ وَأَنْأَى مِنْ فِرَاقِ الْمُحَصَّبِ

وَإِجْرَاءُ اسْمِ مَوْصُولِ الْعُقَلَاءِ على الْأَصْنَام مجاراة للْمُشْرِكين إِذْ يعدّونهم عُقَلَاءَ.


(١) حطائط بِضَم الْحَاء: الْقصير.
(٢) هزلا بِفَتْح الْهَاء: الهزال.