للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَصْلِهِ، ثُمَّ لَمَّا الْتَقَتْ يَاءُ التَّصْغِيرِ سَاكِنَةً قَبْلَ وَاوِ الْكَلِمَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ بِحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِتَقَارُبِهِمَا وَأُدْغِمَتَا، وَلَمَّا

نُودِيَ وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ حُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ لِجَوَازِ حَذْفِهَا فِي النِّدَاءِ وَكَرَاهِيَةِ تَكَرُّرِ الْأَمْثَالِ، وَأُشِيرَ إِلَى الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ بِإِلْزَامِهِ الْكَسْرَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْكَسْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ. وَالتَّصْغِيرُ فِيهِ لِتَنْزِيلِ الْمُخَاطَبِ الْكَبِيرِ مَنْزِلَةَ الصَّغِيرِ كِنَايَةً عَنِ الشَّفَقَةِ بِهِ وَالتَّحَبُّبِ لَهُ، وَهُوَ فِي مَقَامِ الْمَوْعِظَةِ وَالنَّصِيحَةِ إِيمَاءٌ وَكِنَايَةٌ عَنْ إِمْحَاضِ النُّصْحِ وَحُبِّ الْخَيْرِ، فَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الِامْتِثَالِ لِلْمَوْعِظَةِ.

ابْتَدَأَ لُقْمَانُ مَوْعِظَةَ ابْنِهِ بِطَلَبِ إِقْلَاعِهِ عَنِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ لِأَنَّ النَّفْسَ الْمُعَرَّضَةَ لِلتَّزْكِيَةِ وَالْكَمَالِ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ تَخَلِّيَتُهَا عَنْ مَبَادِئِ الْفَسَادِ وَالضَّلَالِ، فَإِنَّ إِصْلَاحَ الِاعْتِقَادِ أَصْلٌ لِإِصْلَاحِ الْعَمَلِ. وَكَانَ أَصْلُ فَسَادِ الِاعْتِقَادِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ هُمَا الدَّهْرِيَّةُ وَالْإِشْرَاكُ، فَكَانَ قَوْلُهُ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ يُفِيدُ إِثْبَاتَ وُجُودِ إِلَهٍ وَإِبْطَالَ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي إِلَهِيَّتِهِ. وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ يَا بُنَيَّ بِفَتْحِ الْيَاءِ مُشَدَّدَةً عَلَى تَقْدِيرِ: يَا بُنَيَّا بِالْأَلِفِ وَهِيَ اللُّغَةُ الْخَامِسَةُ فِي الْمُنَادَى الْمُضَافِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ ثُمَّ حُذِفَتِ الْأَلِفُ وَاكْتُفِيَ بِالْفَتْحَةِ عَنْهَا، وَهَذَا سَمَاعٌ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَتَهْوِيلٌ لِأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ ظُلْمٌ لِحُقُوقِ الْخَالِقِ، وَظُلْمُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ إِذْ يَضَعُ نَفْسَهُ فِي حَضِيضِ الْعُبُودِيَّةِ لِأَخَسِّ الْجَمَادَاتِ، وَظُلْمٌ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الْحَقِّ إِذْ يَبْعَثُ عَلَى اضْطِهَادِهِمْ وَأَذَاهُمْ، وَظُلْمٌ لِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ بِقَلْبِهَا وَإِفْسَادِ تَعَلُّقِهَا. وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ لُقْمَانَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ

فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الْأَنْعَام: ٨٢] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ

.