وَالْمَعْرُوفُ: الشَّيْءُ الْمُتَعَارَفُ الْمَأْلُوفُ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فَهُوَ الشَّيْءُ الْحَسَنُ، أَيْ صَاحِبْ وَالِدَيْكَ صُحْبَةً حَسَنَةً، وَانْتَصَبَ مَعْرُوفاً عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَفْعُولٍ مُطْلَقٍ لِ صاحِبْهُما، أَيْ صِحَابًا مَعْرُوفًا لِأَمْثَالِهِمَا. وَفُهِمَ مِنْهُ اجْتِنَابُ مَا يُنْكَرُ فِي
مُصَاحَبَتِهِمَا، فَشَمَلَ ذَلِكَ مُعَامَلَةَ الِابْنِ أَبَوَيْهِ بِالْمُنْكَرِ، وَشَمَلَ ذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ الْوَالِدُ إِلَى مَا يُنْكِرُهُ اللَّهُ وَلَا يَرْضَى بِهِ وَلِذَلِكَ لَا يُطَاعَانِ إِذَا أَمَرَا بِمَعْصِيَةٍ. وَفُهِمَ مِنْ ذِكْرِ وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً أَثَرَ قَوْلِهِ وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي إِلَخْ ... أَنَّ الْأَمْرَ بِمُعَاشَرَتِهِمَا بِالْمَعْرُوفِ شَامِلٌ لِحَالَةِ كَوْنِ الْأَبَوَيْنِ مُشْرِكَيْنِ فَإِنَّ عَلَى الِابْنِ مُعَاشَرَتَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ كَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَصِلَتِهِمَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ أُمِّي جَاءَتْ رَاغِبَةً أَفَأَصِلُهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ،
وَكَانَتْ مُشْرِكَةً وَهِيَ قُتَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى. وَشَمَلَ الْمَعْرُوفُ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لَهُمَا أَنْ يَفْعَلَاهُ فِي أَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مُنْكَرًا لِلْمُسْلِمِ فَلِذَلِكَ قَالَ فُقَهَاؤُنَا: إِذَا أَنْفَقَ الْوَلَدُ عَلَى أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ وَكَانَ عَادَتُهُمَا شُرْبَ الْخَمْرِ اشْتَرَى لَهُمَا الْخَمْرَ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ لِلْكَافِرِ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُنْكَرًا فِي الدِّينَيْنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَايِعَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ عَلَيْهِ. وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ مَنْ أَنَابَ هُوَ الِاقْتِدَاءُ بِسِيرَةِ الْمُنِيبِينَ لِلَّهِ، أَيِ الرَّاجِعِينَ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْإِنَابَةِ فِي سُورَةِ الرُّومِ [٣٣] عِنْدَ قَوْلِهِ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَفِي سُورَةِ هُودٍ [٨٨] . فَالْمُرَادُ بِمَنْ أَنَابَ: الْمُقْلِعُونَ عَنِ الشِّرْكِ وَعَنِ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي مِنْهَا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَهُمُ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَمَنِ اتَّبَعُوهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمَلِ السَّابِقَةِ وثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ الْمُفِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِمَا بَعْدَهَا، أَيْ وَعِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنْبِئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِلْإِنْسَانِ وَالْوَالِدَيْنِ، أَيْ مَرْجِعُ الْجَمِيعِ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الرُّجُوعِ أَوْ هُوَ لِلتَّخْصِيصِ، أَيْ لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْءٌ مِمَّا تَأْمَلُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ. وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا فَأُنَبِّئُكُمْ إِلَخْ ... وَالْإِنْبَاءُ كِنَايَةٌ عَنْ إِظْهَارِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ إِظْهَارِ الشَّيْءِ وَبَيْنَ الْعِلْمِ بِهِ ظَاهِرَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute