سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لُقْمَان: ٢٨] مِنْ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ بِالْمَعْلُومَاتِ الْمُقْتَضِي إِحَاطَةَ قُدْرَتِهِ بِالْمُمْكِنَاتِ لِأَنَّهَا جُزْئِيَّاتُ الْمَعْلُومَاتِ وَفَرْعٌ عَنْهَا. وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ بِقَرِينَةِ وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. وَالرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِإِنْكَارِ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ بِتَنْزِيلِ الْعَالِمِينَ مَنْزِلَةَ غَيْرِ عَالِمِينَ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِعِلْمِهِمْ.
وَالْإِيلَاجُ: الْإِدْخَالُ. وَهُوَ هُنَا تَمْثِيلٌ لِتَعَاقُبِ الظُّلْمَةِ وَالضِّيَاءِ بِوُلُوجِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَقَوْلِهِ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: ٣٧] . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ أول سُورَة آلِ عِمْرَانَ [٢٧] ، وَقَوْلِهِ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [٦١] مَعَ اخْتِلَافِ الْغَرَضَيْنِ.
وَالِابْتِدَاءُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ أَمْرَهُ أَعْجَبُ كَيْفَ تَغْشَى ظُلْمَتُهُ تِلْكَ الْأَنْوَارَ النَّهَارِيَّةَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ إِيلَاجِ اللَّيْلِ وَإِيلَاجِ النَّهَارِ لِتَشْخِيصِ تَمَامِ الْقُدْرَةِ بِحَيْثُ لَا تُلَازِمُ عَمَلًا مُتَمَاثِلًا. وَالْكَلَامُ عَلَى تَسْخِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَضَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَتَنْوِينُ كُلٌّ هُوَ الْمُسَمَّى تَنْوِينَ الْعِوَضِ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: كُلٌّ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ.
وَالْجَرْيُ: الْمَشْيُ السَّرِيعُ اسْتُعِيرَ لِانْتِقَالِ الشَّمْسِ فِي فَلَكِهَا وَانْتِقَالِ الْأَرْضِ حَوْلَ الشَّمْسِ وَانْتِقَالِ الْقَمَرِ حَوْلَ الْأَرْضِ، تَشْبِيهًا بِالْمَشْيِ السَّرِيعِ لِأَجْلِ شُسُوعِ الْمَسَافَاتِ الَّتِي تُقْطَعُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ.
وَزِيَادَةُ قَوْلِهِ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ لِهَذَا النِّظَامِ الشَّمْسِيِّ أَمَدًا يَعْلَمُهُ اللَّهُ فَإِذَا انْتَهَى ذَلِكَ الْأَمَدُ بَطَلَ ذَلِكَ التَّحَرُّكُ وَالتَّنَقُّلُ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤْذِنُ بِانْقِرَاضِ الْعَالِمِ فَهَذَا تَذْكِيرٌ بِوَقْتِ الْبَعْثِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلى أَجَلٍ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ يَجْرِي، أَيْ: يَنْتَهِي جَرْيُهُ، أَيْ سَيْرُهُ عِنْدَ أَجَلٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَ اللَّهِ لِانْتِهَاءِ سَيْرِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute