للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَوْقِعِ جُعِلَتِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْفَذْلَكَةِ وَالنَّتِيجَةِ.

وَالتَّقْوَى تَبْتَدِئُ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِ الْخَالِقِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْتَهِي إِلَى اجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ وَامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ. وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى هُدىً لِلْمُتَّقِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢] وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ الْحَجِّ [٣٢] .

وَخَشْيَةُ الْيَوْمِ: الْخَوْفُ مِنْ أَهْوَالِ مَا يَقَعُ فِيهِ إِذِ الزَّمَانُ لَا يُخْشَى لِذَاتِهِ، فَانْتَصَبَ يَوْماً عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ. وَالْأَمْرُ بِخَشْيَتِهِ تَتَضَمَّنُ وُقُوعَهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَذَلِكَ حَظُّ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى صَارَ سِمَةً عَلَيْهِمْ قَالَ تَعَالَى وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا [الْفرْقَان: ٢١] .

وَجُمْلَةُ لَا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ إِلَخْ صِفَةُ يَوْمٍ وَحُذِفَ مِنْهَا الْعَائِدُ الْمَجْرُورُ بِ (فِي) تَوَسُّعًا بِمُعَامَلَتِهِ مُعَامَلَةَ الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ كَقَوْلِهِ وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤٨] .

وَجَزَى إِذَا عُدِّيَ بِ عَنْ فَهُوَ بِمَعْنَى قَضَى عَنْهُ وَدَفَعَ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْمُتَقَاضِي:

الْمُتَجَازِي.

وَجُمْلَةُ وَلا مَوْلُودٌ إِلَخْ عَطْفٌ عَلَى الصِّفَةِ ومَوْلُودٌ مُبْتَدَأٌ. وهُوَ ضَمِيرُ فَصْلٍ. وجازٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ.

وَذِكْرُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ هُنَا لِأَنَّهُمَا أَشَدُّ مَحَبَّةً وحمية من غَيرهم فَيُعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُمَا أَوْلَى بِهَذَا النَّفْيِ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ الْآيَة [عبس: ٣٤- ٣٥] .

وابتدئ بالوالد لِأَنَّهُ أَشَدُّ شَفَقَةً عَلَى ابْنِهِ فَلَا يَجِدُ لَهُ مَخْلَصًا مِنْ سُوءٍ إِلَّا فِعْلَهُ.

وَوَجْهُ اخْتِيَارِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي إِفَادَةِ عُمُومِ النَّفْيِ هُنَا دُونَ طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٢٣] ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَأَهْلُهَا يَوْمَئِذٍ خَلِيطٌ مِنْ مُسْلِمِينَ وَكَافِرِينَ، وَرُبَّمَا كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَالْوَلَدُ كَافِرًا وَرُبَّمَا كَانَ

الْعَكْسُ، وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْكَافِرِينَ حِينَ تُدَاخِلُهُمُ الظُّنُونُ فِي مَصِيرِهِمْ