الْمُعَاشَرَةِ وَلَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارُ الْأُخُوَّةِ الْجِبِلِّيَّةِ لِأَنَّ تِلْكَ آثَارٌ مَرْجِعُهَا إِلَى الْخِلْقَةِ فَذَلِكَ مَعْنَى
قَوْلِهِ «أَنْتَ أَخِي وَهِيَ لِي حَلَالٌ»
. وَالْجَوْفُ: بَاطِنُ الْإِنْسَانِ صَدْرُهُ وَبَطْنُهُ وَهُوَ مَقَرُّ الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ عَدَا الدِّمَاغَ.
وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا الظَّرْفِ زِيَادَةُ تَصْوِيرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْقَلْبِ وَتَجَلِّيهِ لِلسَّامِعِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ كَانَ أَسْرَعَ إِلَى الِاقْتِنَاعِ بِإِنْكَارِ احْتِوَاءِ الْجَوْفِ عَلَى قَلْبَيْنِ، وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ: وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الْحَج: ٤٦] وَنَحْوَهُ مِنَ الْقُيُودِ الْمَعْلُومَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّصْرِيحُ بِهَا تَذْكِيرًا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَتَجْدِيدًا لِتَصَوُّرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٣٨] .
وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ.
عَطْفُ إِبْطَالٍ ثَانٍ لِبَعْضِ مَزَاعِمِهِمْ وَهُوَ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ فِرَاقَ زَوْجِهِ فِرَاقًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ بِحَالٍ يَقُولُ لَهَا: «أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي» هَذِهِ صِيغَتُهُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَهُمْ، فَهِيَ مُوجِبَةٌ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ وَحُرْمَةَ تَزَوُّجِهَا مِنْ بَعْدُ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمًّا لَهُ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا تَشْرِيعَ إِبْطَالِ آثَارِ التَّحْرِيمِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أُبْطِلَ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ وَهِيَ مِمَّا نَزَلَ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونَ تَمْهِيدًا لِتَشْرِيعِ إِبْطَالِ التَّبَنِّي تَنْظِيرًا بَيْنَ هَذِهِ الْأَوْهَامِ إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّمْهِيدَ الثَّانِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَقْصُودِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَحْكَامِ التَّشْرِيعِيَّةِ.
واللاَّءِ: اسْمُ مَوْصُولٍ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ فَهُوَ اسْمُ جَمْعِ (الَّتِي) ، لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ صِيَغِ الْجَمْعِ، وَفِيهِ لُغَاتٌ: اللاَّءِ- مَكْسُورُ الْهَمْزَةِ أَبَدًا- بِوَزْنِ الْبَابِ، وَاللَّائِي بِوَزْن الدَّاعِي، واللّاء بِوَزْنِ بَابٍ دَاخِلَةً عَلَيْهِ لَامُ التَّعْرِيفِ بِدُونِ يَاءٍ.
وَقَرَأَ قَالُونُ عَنْ نَافِعٍ وَقُنْبُلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ اللاَّءِ- بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ- غَيْرِ مُشْبَعَةٍ وَهُوَ لُغَةٌ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ واللَّائِي- بِيَاءٍ بَعْدَ
الْهَمْزَةِ- بِوَزْنِ الدَّاعِي، وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَالبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ واللاي بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ بَدَلًا عَنِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ بَدَلٌ سَمَاعِيٌّ، قِيلَ: وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَقَرَأَ وَرْشٌ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالبَزِّيِّ أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute