وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الَّذِي نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي شَأْنِهِ كَانَ غَرِيبًا مِنْ بَنِي كَلْبٍ مِنْ وَبَرَةَ، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ أَبُوهُ حَارِثَةُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَيْهِ جَبَلَةً وَزَيْدًا فَبَقِيَا فِي حِجْرِ جَدِّهِمَا، ثُمَّ جَاءَ عَمَّاهُمَا فَطَلَبَا مِنَ الْجَدِّ كَفَالَتَهُمَا فَأَعْطَاهُمَا جَبَلَةَ وَبَقِيَ زَيْدٌ عِنْدَهُ فَأَغَارَتْ عَلَى الْحَيِّ خَيْلٌ مِنْ تِهَامَةَ فَأَصَابَتْ زَيْدًا فَأَخَذَ جَدُّهُ يَبْحَثُ عَنْ مَصِيرِهِ، وَقَالَ أَبْيَاتًا مِنْهَا:
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ ... أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الْأَجَلْ
وَأَنَّهُ عَلِمَ أَنْ زَيْدًا بِمَكَّةَ وَأَنِ الَّذِينَ سَبَوْهُ بَاعُوهُ بِمَكَّةَ فَابْتَاعَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ فَوَهَبَهُ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ زَوْجِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهَبَتْهُ خَدِيجَةُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ زَمَنًا ثُمَّ جَاءَ جَدُّهُ وَعَمُّهُ يَرْغَبَانِ فِي فِدَائِهِ فَأَبَى الْفِدَاءَ وَاخْتَارَ الْبَقَاءَ عَلَى الرِّقِّ عِنْدَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحِينَئِذٍ أَشْهَدَ النَّبِيءُ قُرَيْشًا أَنَّ زَيْدًا ابْنُهُ يَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَرَضِيَ أَبُوهُ وَعَمُّهُ وَانْصَرَفَا فَأَصْبَحَ يُدْعَى: زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ. وَقُتِلَ زَيْدٌ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.
اسْتِئْنَافٌ اعْتِرَاضِيٌّ بَيْنَ التَّمْهِيدِ وَالْمَقْصُودِ مِنَ التَّشْرِيعِ وَهُوَ فَذْلَكَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ الَّتِي نَفَتْ جَعْلَهُمْ مَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ وَاقِعًا، وَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ لِأَنَّهَا تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ بِالتَّحْصِيلِ لِمَا قَبْلَهَا.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَذْكُورٍ ضِمْنًا مِنَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ مَا نُفِيَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَهُ مِنْ وُجُودِ قَلْبَيْنِ لِرَجُلٍ، وَمَنْ كَوْنَ الزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا أُمًّا لِمَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، وَمِنْ كَوْنِ الْأَدْعِيَاءِ أَبْنَاءً لِلَّذِينَ تَبَنَّوْهُمْ. وَإِذْ قَدْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَنْفِيَّاتُ الثَّلَاثَةُ نَاشِئَةً عَنْ أَقْوَالٍ قَالُوهَا صَحَّ الْإِخْبَارُ عَنِ الْأُمُورِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِأَنَّهَا أَقْوَالٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا أَقْوَالٌ فَحَسْبُ لَيْسَ لِمَدْلُولَاتِهَا حَقَائِقُ خَارِجِيَّةٌ تُطَابِقُهَا كَمَا تُطَابِقُ النِّسَبُ الْكَلَامِيَّةُ الصَّادِقَةُ النِّسَبَ الْخَارِجِيَّةَ، وَإِلَّا فَلَا جَدْوَى فِي الْإِخْبَارِ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَاتِ بِأَنَّهَا قَوْلٌ بِالْأَفْوَاهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute