للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَيَّنَهُ قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَأَيَّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ وَرَثَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ» . وَهَذَا مَلَاكُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ.

وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ.

عَطَفَ عَلَى حُقُوقِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُقُوقَ أَزْوَاجِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِمُنَاسَبَةِ جَرَيَانِ ذِكْرِ حَقِّ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ مَا لِلْأُمَّهَاتِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّزَوُّجِ بِهِنَّ بِقَرِينَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاء تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ [الْأَحْزَاب: ٤] .

وَأَمَّا مَا عَدَا حُكْمَ التَّزَوُّجِ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ بِهِنَّ وَمُوَاسَاتِهِنَّ فَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى تَعْظِيمِ أَسْبَابِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُرُمَاتِهِ وَلَمْ يَزَلْ أَصْحَابُ النَّبِيءِ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ يَتَوَخَّوْنَ حَسَنَ مُعَامَلَةِ أَزْوَاجِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤْثِرُونَهُنَّ بِالْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ حَمْلِ جِنَازَةِ مَيْمُونَةَ: «هَذِه زوج نبيئكم فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوا وَلَا تُزَلْزِلُوا وَارْفُقُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَكَذَلِكَ مَا عَدَا حُكْمَ الزَّوَاجِ مِنْ وُجُوهِ الْمُعَامَلَةِ غَيْرَ مَا يَرْجِعُ إِلَى التَّعْظِيمِ. وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ جِيءَ بِالتَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي شَبَهِهِنَّ بِالْأُمَّهَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ الْإِرْثِ وَتَزَوُّجِ بَنَاتِهِنَّ، فَلَا يُحْسَبُ أَنَّ تَرِكَاتِهِنَّ يَرِثُهَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَنَّ بَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي حُرْمَةِ التَّزَوُّجِ بِهِنَّ.

وَأَمَّا إِطْلَاقُ وَصْفِ خَالِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْخَلِيفَةِ مُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ أَخُو أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّعْظِيمِ كَمَا يُقَالُ: بَنُو فُلَانٍ أَخْوَالُ فُلَانٍ، إِذَا كَانُوا قَبِيلَةَ أُمِّهِ.

وَالْمرَاد بأزواجه اللَّاتِي تَزَوَّجَهُنَّ بِنِكَاحٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَقَدْ قَالَ الصَّحَابَةُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ حِينَ تَزَوَّجَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ: أَهِيَ إِحْدَى مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ أَمْ هِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالُوا: نَنْظُرُ، فَإِذَا حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا لَمْ يحجبها فَهِيَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا بَنَى بِهَا ضَرَبَ عَلَيْهَا