للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، أَيِ: اسْمُ أَرْضٍ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحَوَائِطِ وَالنَّخْلِ وَالْمَدِينَةُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ. سُمِّيتْ بَاسِمِ يَثْرِبَ مِنَ الْعَمَالِقَةِ، وَهُوَ يثرب بن قَانِيَةَ الْحَفِيدِ الْخَامِسِ لِإِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ. وَقَدْ

رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَسْمِيَتِهَا يَثْرِبَ وَسَمَّاهَا طَابَةَ.

وَفِي قَوْلِهِ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقامَ لَكُمْ مُحَسِّنٌ بَدِيعِيٌّ، وَهُوَ الِاتِّزَانُ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَكُونُ مِنْهُ مِصْرَاعٌ مِنْ بَحْرِ السَّرِيعِ مِنْ عَرُوضِهِ الثَّانِيَةِ الْمَخْبُولَةِ الْمَكْشُوفَةِ إِذْ صَارَتْ مَفْعُولَاتُ بِمَجْمُوعِ الْخَبْلِ وَالْكَشْفِ إِلَى فَعِلُنْ فَوَزْنُهُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ.

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَرِيقٌ مِنْهُمُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وَلَيْسُوا فَرِيقًا مِنَ الطَّائِفَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، بَلْ هَؤُلَاءِ هُمْ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ وَجَمْعٌ مِنْ عَشِيرَتِهِ بَنِي حَارِثَةَ وَكَانَ بَنُو حَارِثَةَ أَكْثَرُهُمْ مُسْلِمِينَ وَفِيهِمْ مُنَافِقُونَ، فَجَاءَ مُنَافِقُوهُمْ يَعْتَذِرُونَ بِأَنَّ مَنَازِلَهُمْ عَوْرَةٌ، أَيْ: غَيْرُ حَصِينَةٍ.

وَجُمْلَةُ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قالَتْ طائِفَةٌ، وَجِيءَ فِيهَا بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ يَلِحُّونَ فِي الِاسْتِئْذَانِ وَيُكَرِّرُونَهُ وَيُجَدِّدُونَهُ.

وَالْعَوْرَةُ: الثَّغْرُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ الْعَدُوُّ أَنْ يَتَسَرَّبَ مِنْهُ إِلَى الْحَيِّ، قَالَ لَبِيدٌ:

وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا وَالِاسْتِئْذَانُ: طَلَبُ الْإِذْنِ وَهَؤُلَاء راموا الانخذال وَاسْتَحْيَوْا. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَهُمْ. وَذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ ثَمَانِينَ مِنْهُمْ رَجَعُوا دُونَ إِذْنِهِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ وَإِلَّا لَمَا ظَهَرَ تَمَيُّزُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ مِنْ قَوْلِهِ

يَسْتَأْذِنُ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ وَسَتَعْلَمُ ذَلِكَ، وَمَنَازِلُ بَنِي حَارِثَةَ كَانَتْ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ قُرْبَ مَنَازِلِ بَنِي سَلَمَةَ فَإِنَّهُمَا كَانَا حَيَّيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ قَالَ تَعَالَى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [آل عمرَان: ١٢٢] هُمَا بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلَمَةَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ بَنِي سَلَمَةَ رَامُوا أَنْ يَنْقُلُوا مَنَازِلَهُمْ قُرْبَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بَنِي سَلَمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ»

أَيْ خُطَاكُمْ.