للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُسْتَعْمَلٌ فِي الْخَبَرِ عَنْ صِدْقٍ مَضَى وَعَنْ صِدْقٍ سَيَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُحَقَّقٍ وُقُوعُهُ بِحَيْثُ يُجْعَلُ اسْتِقْبَالُهُ كَالْمُضِيِّ مِثْلَ أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى التَّحَقُّقِ. أَوْ هُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَحْمَلَ الْفِعْلِ عَلَى الصِّدْقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْسَبُ بِمَقَامِ الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَقُ بِإِنَاطَةِ قَوْلهم بِفعل رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَلَمَّا جَاءَتِ الْأَحْزَابُ. فَإِنْ أَبَيْتَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَاقْصُرْهُ عَلَى الْمَجَازِ وَاطْرَحِ احْتِمَالَ الْإِخْبَارِ عَنَ الصِّدْقِ الْمَاضِي.

وَضَمِيرُ زادَهُمْ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ اسْمُ الْإِشَارَةِ، أَيْ: وَمَا زَادَهُمْ مَا رَأَوْا إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا، أَيْ: بِعَكْسِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ إِذْ زَادَهُمْ شَكًّا فِي تَحَقُّقِ الْوَعْدِ، وَالْمَعْنَى: وَمَا زَادَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا إِيمَانًا، أَيْ: مَا زَادَ فِي خَوَاطِرِ نُفُوسِهِمْ إِلَّا إِيمَانًا، أَيْ: لَمْ يَزِدْهُمْ خَوْفًا عَلَى الْخَوْفِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ مُتَرَقِّبٍ أَنْ يُنَازِلَهُ الْعَدُوُّ الشَّدِيدُ، بَلْ شَغَلَهُمْ عَنِ الْخَوْفِ وَالْهَلَعِ شَاغِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَفِيمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ النَّصْرِ فَأَعْرَضَتْ نُفُوسُهُمْ عَنْ خَوَاطِرِ الْخَوْفِ إِلَى الِاسْتِبْشَارِ بِالنَّصْرِ الْمُتَرَقَّبِ.

وَالتَّسْلِيمُ: الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلْمُنْقَادِ إِلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٦٥] . وَمِنَ التَّسْلِيمِ هُنَا تَسْلِيمُ أَنْفُسِهِمْ لِمُلَاقَاةِ عَدُوٍّ شَدِيدٍ دُونَ أَنْ يَتَطَلَّبُوا الْإِلْقَاءَ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى الْعَدُوِّ وَأَنْ يُصَالِحُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ. فَقَدْ

ذَكَرَ ابْنُ

إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدَيْنِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَنْ يُعْطِيَ ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ تِلْكَ السَّنَةِ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالْحَارِثَ بْنَ عَوْفٍ وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا عَنِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْوَ أَمْرٌ تُحِبُّهُ فَنَصْنَعُهُ، أَمْ شَيْءٌ أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ لَا بُدَّ لَنَا مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، أَمْ شَيْءٌ تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَن قَوس وَاحِد وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إِلَى أَمَرٍ مَا. فَقَالَ