للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرَفْعُ الْعَذابُ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلٍ.

وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ نُضَعِّفْ بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَبِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ مَكْسُورَةً وَنُصِبَ الْعَذابُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ فَيَكُونُ إِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً إِظْهَارًا فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب يُضاعَفْ بِتَحْتِيَّةٍ لِلْغَائِبِ

وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ مَفْتُوحَةً. وَمُفَادُ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مُتَّحِدُ الْمَعْنَى عَلَى التَّحْقِيقِ.

وَرَوَى الطَّبَرَيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى: أَنَّ بَيْنَ ضَاعَفَ وَضَعَّفَ فَرْقًا، فَأَمَّا ضَاعَفَ فَيُفِيدُ جَعْلَ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ أَعْذِبَةٍ. وَأَمَّا ضَعَّفَ الْمُشَدَّدُ فَيُفِيدُ جَعْلَ الشَّيْءِ مِثْلَهُ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَهَذَا التَّفْرِيقُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ادَّعَاهُ غَيْرُهُمَا. وَصِيغَةُ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ ضِعْفَيْنِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي إِرَادَةِ الْكَثْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [الْملك: ٤] لِظُهُورِ أَنَّ الْبَصَرَ لَا يَرْجِعُ خَاسِئًا وَحَسِيرًا مِنْ تَكَرُّرِ النَّظَرِ مَرَّتَيْنِ، وَالتَّثْنِيَةُ تَرِدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كِنَايَةً عَنِ التَّكْرِيرِ، كَقَوْلِهِمْ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَقَوْلِهِمْ: دَوَالَيْكَ، وَلِذَلِكَ لَا نَشْتَغِلُ بِتَحْدِيدِ الْمُضَاعَفَةِ الْمُرَادَةِ فِي الْآيَةِ بِأَنَّهَا تَضْعِيفٌ مَرَّةً وَاحِدَةً بِحَيْثُ يَكُونُ هَذَا الْعَذَابُ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ لِأَمْثَالِ الْفَاحِشَةِ مَرَّتَيْنِ أَوْ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَمَا إِعْرَاضُهُمْ عَنْهُ إِلَّا لِأَنَّ أَفْهَامَهُمْ سَبَقَتْ إِلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمَشْهُورِ فِي الْكَلَامِ، فَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَأَبِي عُبَيْدَةَ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

وَالْفَاحِشَةُ: الْمَعْصِيَةُ، قَالَ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ [الْأَعْرَاف: ٣٣] وَكُلَّمَا وَرَدَتِ الْفَاحِشَةُ فِي الْقُرْآنِ نَكِرَةً فَهِيَ الْمَعْصِيَةُ وَإِذَا وَرَدَتْ مَعْرِفَةً فَهِيَ الزِّنَا وَنَحْوُهُ.

وَالْمُبَيِّنَةُ: بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مُبَالَغَةٌ فِي بَيَانِ كَوْنِهَا فَاحِشَةً وَوُضُوحِهِ حَتَّى كَأَنَّهَا تُبَيِّنُ نَفْسَهَا وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا الْجُمْهُورُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يُبَيِّنُهَا فَاعِلُهَا.

وَالْمُضَاعَفَةُ: تَكْرِيرُ شَيْءٍ ذِي مِقْدَارٍ بِمِثْلِ مِقْدَارِهِ.