للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذَّبِّ عَنِ الْحَوْزَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا آخِرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٢٠٠] .

وَبِ الْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ: أَهْلُ الْخُشُوعِ، وَهُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ وَالْخَوْفُ مِنْهُ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْإِخْلَاصِ بِالْقَلْبِ فِيمَا يَعْمَلُهُ الْمُكَلَّفُ، وَمُطَابَقَةُ ذَلِكَ لِمَا يَظْهَرُ مِنْ آثَارِهِ عَلَى صَاحِبِهِ. وَالْمُرَادُ: الْخُشُوعُ لِلَّهِ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤٥] .

وَبِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ: مَنْ يَبْذُلُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١١٤] . وَفَائِدَةُ ذَلِكَ لِلْأُمَّةِ عَظِيمَةٌ.

وَأَمَّا (الصَّائِمُونَ وَالصَّائِمَاتُ) فَظَاهَرٌ مَا فِي الصِّيَامِ مِنْ تَخَلُّقٍ بِرِيَاضَةِ النَّفْسِ لِطَاعَةِ اللَّهِ، إِذْ يَتْرُكُ الْمَرْءُ مَا هُوَ جِبِلِّيٌّ مِنَ الشَّهْوَةِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ، أَيْ بُرْهَانًا عَلَى أَنَّ رِضَى اللَّهِ عَنهُ

ألذّ عِنْده مِنْ أَشَدِّ اللَّذَّاتِ مُلَازَمَةً لَهُ.

وَأَمَّا حِفْظُ الْفُرُوجِ فَلِأَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ شَهْوَةٌ جِبِلِّيَّةٌ، وَهِيَ فِي الرَّجُلِ أَشَدُّ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ فَقَالَ فِي يحيى وَحَصُوراً [آل عمرَان: ٣٩] وَقَالَ فِي مَرْيَمَ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [الْأَنْبِيَاء: ٩١] ، وَهَذَا الْحِفْظُ لَهُ حُدُودٌ سَنَّتْهَا الشَّرِيعَةُ، فَالْمُرَادُ: حِفْظُ الْفروج عَن أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ: حِفْظَهَا عَنِ الِاسْتِعْمَالِ أَصْلًا وَهُوَ الرَّهْبَنَةُ، فَإِنَّ الرَّهْبَنَةَ مَدْحُوضَةٌ فِي الْإِسْلَامِ بِأَدِلَّةٍ مُتَوَاتِرَةِ الْمَعْنَى.

وَأَمَّا (الذَّاكِرُونَ وَالذَّاكِرَاتُ) فَهُوَ وَصْفٌ صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونَ مِنَ الذِّكْرِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَهُوَ ذِكْرُ اللِّسَانِ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [الْبَقَرَة: ١٥٢] وَقَوْلِهِ

فِي الْحَدِيثِ: «وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي»

، وَمِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّهَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ [الْأَحْزَاب: ٣٤] ، وَالَّذِي فِي قَوْلِهِ: ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمرَان: ١٣٥] .

وَمَفْعُولُ والْحافِظاتِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ، وَكَذَلِكَ مَفْعُولُ والذَّاكِراتِ.

وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ الْعَشْرُ عَلَى جَوَامِعِ فُصُولِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا.