وَكَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِبِلَالٍ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ» ، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَشَرِبَ. فَمُرَاجَعَةُ بِلَالٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ عَزْمٍ.
وَذِكْرُ اسْمِ الْجَلَالَةِ هُنَا لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَاعَةٌ لِلَّهِ، قَالَ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النِّسَاء: ٨٠] . فَالْمَقْصُودُ إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ أَمْرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٤١] إِذِ الْمَقْصُودُ: فَإِنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسَهُ.
والْخِيَرَةُ: اسْمُ مَصْدَرِ تَخَيَّرَ، كَالطِّيَرَةِ اسْمُ مَصْدَرِ تَطَيَّرَ. قِيلَ وَلَمْ يُسْمَعْ فِي هَذَا الْوَزْنِ غَيْرُهُمَا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ [٦٨] .
ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ وأَمْرِهِمْ بِمَعْنَى شَأْنِهِمْ وَهُوَ جِنْسٌ، أَيْ أُمُورِهِمْ. وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ اخْتِيَار بعض شؤونهم مِلْكًا يَمْلِكُونَهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا خَيرَةَ لَهُمْ.
وَ (مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ) لَمَّا وَقَعَا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ يَعُمَّانِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَلِذَلِكَ جَاءَ ضميرها ضَمِيرُهَا جَمْعٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى: مَا كَانَ لِجَمْعِهِمْ وَلَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْخَيَرَةُ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُمُومِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَنْ تَكُونَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُؤَنَّثٌ لَفْظًا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَهِشَام وَابْن عَامر بِتَحْتِيَّةٍ لِأَنَّ الْفَاعِلَ الْمُؤَنَّثَ غَيْرَ الْحَقِيقِيِّ يَجُوزُ فِي فِعْلِهِ التَّذْكِيرُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا وَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً تَذْيِيلُ تَعْمِيمٍ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَوَاءٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ الْخِيَرَةُ أَمْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ لِلْهَوَى فِي الْمُخَالَفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute