وَالذِّكْرُ: ذِكْرُ اللِّسَانِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَوْقِعِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا.
وَالتَّسْبِيحُ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الصَّلَوَاتُ النَّوَافِلُ فَلَيْسَ عَطْفُ وَسَبِّحُوهُ عَلَى اذْكُرُوا اللَّهَ مَنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنَ التَّسْبِيحِ قَوْلَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَيَكُونُ عَطَفُ وَسَبِّحُوهُ عَلَى اذْكُرُوا اللَّهَ مَنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِالْخَاصِّ لِأَنَّ مَعْنَى التَّسْبِيحِ التَّنْزِيهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ مِنَ النَّقَائِصِ فَهُوَ مَنْ أَكْمَلِ الذِّكْرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى جَوَامِع الثَّنَاء والتمجيد، وَلِأَنَّ فِي التَّسْبِيحِ إِيمَاءً إِلَى التَّبَرُّؤِ مِمَّا يَقُولُهُ الْمُنَافِقُونَ فِي حقّ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ [النُّور: ١٦] فَإِنَّ كَلِمَةَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، يَكْثُرُ أَنْ تُقَالَ فِي مَقَامِ
التَّبَرُّؤِ مِنْ نِسْبَةِ مَا لَا يَلِيقُ إِلَى أحد
كَقَوْل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ! الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» .
وَقَوْلِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ حِينَ أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ الْبَيْعَةَ «أَنْ لَا يَزْنِينَ» : سُبْحَانَ اللَّهِ أَتَزْنِي الْحُرَّةُ.
وَالْبُكْرَةُ: أَوَّلُ النَّهَارِ. وَالْأَصِيلُ: الْعَشِيُّ الْوَقْتُ الَّذِي بَعْدَ الْعَصْرِ. وَانْتَصَبَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الَّتِي يَتَنَازَعُهَا الْفِعْلَانِ اذْكُرُوا اللَّهَ.. وسَبِّحُوهُ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْبُكْرَةِ وَالْأَصِيلِ إِعْمَارُ أَجْزَاءِ النَّهَارِ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ بِقَدْرِ الْمُكْنَةِ لِأَنَّ ذِكْرَ طَرَفَيِ الشَّيْءِ يَكُونُ كِنَايَة عَن اسْتِيعَابِهِ كَقَوْلِ طَرْفَةَ:
لَكَالطِّوَلِ الْمُرَخَى وَثِنْيَاهُ بِالْيَدِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، كِنَايَةً عَنِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَالرَّأْسُ والعقب كِنَايَة عَن الْجَسَدِ كُلِّهِ، وَالظَّهْرُ وَالْبَطْنُ كَذَلِكَ.
وَقَدَّمَ الْبُكْرَةَ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّ الْبُكْرَةَ أَسْبَقُ مِنَ الْأَصِيلِ لَا مَحَالَةَ. وَلَيْسَ الْأَصِيل جَدِيدا بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ كَمَا قُدِّمَ لَفْظُ تُمْسُونَ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرُّومِ فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الرّوم: ١٧] لِأَنَّ كَلِمَةَ الْمَسَاءِ تَشْمَلُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَقَدَّمَ لَفْظَ تُمْسُونَ هُنَالك رعّيا لَا عتبار اللَّيْلِ أَسْبَقَ فِي حِسَابِ أَيَّامِ الشَّهْرِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَفِي الْإِسْلَامِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ كلمة الْأَصِيل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute