وَالْإِيوَاءُ ضِدُّهُ.
فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْإِرْجَاءُ مُنْصَرِفًا إِلَى الْقَسَمِ فَوَسَّعَ الله على نبيئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّ بَعْضِ نِسَائِهِ فِي الْمَبِيتِ مَعَهُنَّ فَصَارَ حَقُّ الْمَبِيتِ حَقًّا لَهُ لَا لَهُنَّ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى هَذَا جَرَى قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي رَزِينٍ، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ.
وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَى نِسَاءِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْقَطَتْ عَنْهُ حَقَّهَا فِي الْمَبِيتِ وَهِيَ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَهَبَتْ يَوْمَهَا لعَائِشَة فَكَانَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة صَار النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُخَيَّرًا فِي الْقَسْمِ لِأَزْوَاجِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ.
وَهَذَا تَخْيِير للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ بِهِ تَكَرُّمًا مِنْهُ عَلَى أَزْوَاجِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ. مَا عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرْجَأَ أَحَدًا مِنْ أَزْوَاجِهِ بَلْ آوَاهُنَّ كُلَّهُنَّ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ. وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ (١) : أَرْجَأَ مَيْمُونَةَ وَسَوْدَةَ وَجُوَيْرِيَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةَ، فَكَانَ يَقْسِمُ لَهُنَّ مَا شَاءَ، أَيْ دُونَ مُسَاوَاةٍ لِبَقِيَّةِ أَزْوَاجِهِ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ.
وَفُسِّرَ الْإِرْجَاءُ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ، وَالْإِيوَاءُ بِمَعْنَى الْإِبْقَاءِ فِي الْعِصْمَةِ، فَيَكُونُ إِذْنًا لَهُ بِتَطْلِيقِ مَنْ يَشَاءُ تَطْلِيقَهَا وَإِطْلَاقُ الْإِرْجَاءِ عَلَى التَّطْلِيقِ غَرِيبٌ.
وَقَدْ ذَكَرُوا أَقْوَالًا أُخَرَ وَأَخْبَارًا فِي سَبَبِ النُّزُولِ لَمْ تَصِحَّ أَسَانِيدُهَا فَهِيَ آرَاءٌ لَا يُوثَقُ بِهَا. وَيَشْمَلُ الْإِرْجَاءُ الصِّنْفَ الثَّانِي وَهُنَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ وَهُوَ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ إِذْ لَا يَجِبُ لِلْإِمَاءِ عَدَلٌ فِي الْمُعَاشَرَةِ وَلَا فِي الْمَبِيتِ.
وَيَشْمَلُ الْإِرْجَاءُ الصِّنْفَ الثَّالِثَ وَهُنَّ: بَنَاتُ عَمِّهِ وَبَنَاتُ عَمَّاتِهِ وَبَنَاتُ خَالِهِ وَبَنَاتُ خَالَاتِهِ، فَالْإِرْجَاءُ تَأْخِيرُ تَزَوُّجِ مَنْ يَحِلُّ مِنْهُنَّ، وَالْإِيوَاءُ الْعَقْدُ عَلَى إِحْدَاهِنَّ، وَالنَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يَتَزَوَّجْ وَاحِدَةً بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ إِرْجَاءُ الْعَمَلِ بِالْإِذْنِ فِيهِنَّ إِلَى غَيْرِ أَجْلٍ مُعَيَّنٍ.
وَكَذَلِكَ إِرْجَاءُ الصِّنْفِ الرَّابِعِ اللَّاءِ وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ وَاقِعًا بَعْدَ
(١) أَبُو رزين بِفَتْح الرَّاء اسْمه: لَقِيط. وَيُقَال لَهُ الْعقيلِيّ أَو العامري وَهُوَ من بني المنتفق. وَله صُحْبَة. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute