وَقَوْلُهُ: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ أَصْلُهُ: تَتَبَدَّلُ بِتَاءَيْنِ حُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا تَخْفِيفًا، يُقَالُ:
بدّل وتبدّل بِمَعْنى وَاحِد، وَمَادَّةُ الْبَدَلِ تَقْتَضِي شَيْئَيْنِ: يُعْطَى أَحَدُهُمَا عِوَضًا عَنْ أَخْذِ الْآخَرِ، فَالتَّبْدِيلُ يَتَعَدَّى إِلَى الشَّيْءِ الْمَأْخُوذِ بِنَفْسِهِ وَإِلَى الشَّيْءِ الْمُعْطَى بِالْبَاءِ أَوْ بِحَرْفِ مِنْ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٠٨] .
وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ حَصَلَتْ فِي عِصْمَتِكَ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُطَلِّقَهَا، فَكُنِّيَ بِالتَّبَدُّلِ عَنِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَازِمُهُ فِي الْعُرْفِ الْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُطَلِّقُ إِلَّا وَهُوَ يَعْتَاضُ عَنِ الْمُطَلَّقَةِ امْرَأَةً أُخْرَى، وَهَذِهِ الْكِنَايَةُ مُتَعَيِّنَةٌ هُنَا لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ صَرِيحُ التَّبَدُّلِ لَخَالَفَ آخِرُ الْآيَةِ أَوَّلَهَا وَسَابِقَتَهَا، فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحِلَّتْ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى النِّسَاءِ اللَّاتِي
عِنْدَهُ إِذَا كَانَتِ الْمَزِيدَةُ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ مَا عَدَاهُنَّ، فَإِذَا كَانَتِ الْمُسْتَبْدَلَةُ إِحْدَى نِسَاءٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ اسْتِبْدَالُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ يُنَافِي إِبَاحَةَ الْأَصْنَافِ وَلَا قَائِلٌ بِالنَّسْخِ فِي الْآيَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَتِ الْمُسْتَبْدَلَةُ مِنْ غَيْرِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ كَانَ تَحْرِيمُهَا عَامًّا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَلَا مَحْصُولَ لِتَحْرِيمِهَا فِي خُصُوصِ حَال إبدالها بغَيْرهَا فَتَمَحَّضَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِبْدَالُ مُكَنًّى بِهِ عَنِ الطَّلَاقِ وَمُلَاحَظًا فِيهِ نِيَّةُ الِاسْتِبْدَالِ. فَالْمَعْنَى: أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبِيحَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى النِّسَاءِ اللَّاتِي حَصَلْنَ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ يَحْصُلْنَ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يُبَحْ لَهُ تَعْوِيضُ قَدِيمَةٍ بِحَادِثَةٍ.
وَالْمعْنَى: وَلَا أَن تطلق امْرَأَة مِنْهُنَّ تُرِيدُ بِطَلَاقِهَا أَن تتبدل بهَا زوجا أُخْرَى.
وَضمير بِهِنَّ عَائِد إِلَى مَا أضيف إِلَيْهِ بَعْدُ المقدّر وَهن الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة.
وَالْمَعْنَى: وَلَا أَنْ تُبَدِّلَ بِامْرَأَةٍ حَصَلَتْ فِي عِصْمَتِكَ أَوْ سَتَحْصُلُ امْرَأَةً غَيْرَهَا.
فَالْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُفَارَقَةِ.
ومِنْ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِ تَبَدَّلَ لِقَصْدِ إِفَادَةِ الْعُمُومِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ أَزْوَاجًا أُخَرَ، فَاخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِالْأَزْوَاجِ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَبَقِيَتِ السَّرَارِي خَارِجَةً بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. وَأَمَّا الَّتِي تَهَبُ نَفْسَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute