للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَاءَ فِي التَّوْرَاةِ (فِي الْإِصْحَاحِ ١٧ مِنَ التَّكْوِينِ) «ظَهَرَ الرَّبُّ لِإِبْرَامَ أَيْ إِبْرَاهِيمَ» وَقَالَ لَهُ: أَنَا اللَّهُ الْقَدِيرُ سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلًا فَأَجْعَلُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرُكَ كَثِيرًا جِدًّا وَفِي فِقْرَةِ ٢٠ وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثَمِّرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا» .

وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِسْلَامِيُّ السَّبْتِيُّ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَأَهْلُهُ فِي سَبْتَةَ وَكَانَ مَوْجُودًا بِهَا سَنَةَ ٧٣٦ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ «الْحُسَامُ الْمَحْدُودُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ» : أَنَّ كَلِمَةَ كَثِيرًا جِدًّا أَصْلُهَا فِي النَّصِّ الْعِبْرَانِيِّ «مَادًّا مَادًّا» وَأَنَّهَا رَمْزٌ فِي التَّوْرَاةِ لِاسْمِ مُحَمَّدٍ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ لِأَنَّ عَدَدَ حُرُوفِ «مَادًّا مَادًّا» بِحِسَابِ الْجُمَّلِ عِنْدَ الْيَهُودِ تَجْمَعُ عَدَدَ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَهُوَ عَدَدُ حُرُوفِ مُحَمَّدٍ اهـ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الْبَقَاعِيُّ فِي «نَظْمِ الدُّرَر» .

وَمعنى يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ قِرَاءَةَ تَذْكِيرٍ، وَفِي هَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يَأْتِيهِمْ بِكِتَابٍ فِيهِ شَرْعٌ. فَالْآيَاتُ جَمْعُ آيَةٍ وَهِيَ الْجُمْلَةُ مِنْ جُمَلِ الْقُرْآنِ، سُمِّيَتْ آيَةً لِدَلَالَتِهَا عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ بِمَجْمُوعِ مَا فِيهَا مِنْ دَلَالَةِ صُدُورِ مِثْلِهَا مِنْ أُمِّيٍ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، وَمَا نُسِجَتْ عَلَيْهِ مِنْ نَظْمٍ أَعْجَزَ النَّاسَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، وَلِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الدَّلَالَةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَكَمَالِ صِفَاتِهِ دَلَالَةً لَمْ تَتْرُكْ مَسْلَكًا لِلضَّلَالِ فِي عَقَائِدِ الْأُمَّةِ بِحَيْثُ أَمِنَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنَ الْإِشْرَاكِ،

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» .

وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْله: يَتْلُوا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ تَتَكَرَّرُ تِلَاوَتُهُ.

وَالْحِكْمَةَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَدَقَائِقِ شَرَائِعِهِ وَهِيَ مَعَانِي الْكِتَابِ وَتَفْصِيلُ مَقَاصِدِهِ، وَعَنْ مَالِكٍ: الْحِكْمَةُ مَعْرِفَةُ الْفِقْهِ وَالدِّينِ وَالِاتِّبَاعِ لِذَلِكَ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكِلَاهُمَا نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ عَطْفَ الْحِكْمَةِ عَلَى الْكِتَابِ يَقْتَضِي شَيْئًا مِنَ الْمُغَايَرَةِ بِزِيَادَةِ مَعْنًى وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُ مَعْنَى الْحِكْمَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٢٦٩] .

وَالتَّزْكِيَةُ التَّطْهِيرُ مِنَ النَّقَائِصِ وَأَكْبَرُ النَّقَائِصِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْ مُتَابَعَةِ الْقُرْآنِ وَأَبَوْا إِلَّا الْبَقَاءَ عَلَى الشِّرْكِ.

وَقَدْ جَاءَ تَرْتِيبُ هَذِهِ الْجُمَلِ فِي الذِّكْرِ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ وَجُودِهَا لِأَنَّ أَوَّلَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَكُونُ تَعْلِيمُ مَعَانِيهِ قَالَ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ

[الْقِيَامَة: ١٨، ١٩] الْعِلْمُ تَحْصُلُ بِهِ التَّزْكِيَةُ وَهِيَ فِي الْعَمَلِ بِإِرْشَادِ الْقُرْآنِ.