للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقَفِّيَ عَلَى قَدَمِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي جَعَلَهُ ثَانِيًا مِنْ كِتَابِ «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» فَإِنَّ مَا انْتَقَدَهُ الشَّيْخُ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ مِنْ مَوَاقِعِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ لَا يَخْلُو مِنْ رُجُوع نَقده إِيَّاهَا إِلَى أُصُولِ الْفَصَاحَةِ أَوْ أُصُولِ تَنَاسُبِ مَعَانِيَ الْكَلِمَاتِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الصَّنِيعَيْنِ.

وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ.

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبيء فَهِيَ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِلنَّهْيِ عَنْ دُخُولِ الْبُيُوتِ النَّبَوِيَّةِ وَتَحْدِيدٌ لِمِقْدَارِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى دُخُولِهَا أَوِ الْوُقُوفِ بِأَبْوَابِهَا.

وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ شَارِعَةُ حُكْمِ حِجَابِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ.

وَضَمِيرُ سَأَلْتُمُوهُنَّ عَائِدٌ إِلَى الْأَزْوَاجِ الْمَفْهُومِ مَنْ ذِكْرِ الْبُيُوتِ فِي قَوْلِهِ: بِيُوتَ

النَّبِيءِ فَإِنَّ لِلْبُيُوتِ رَبَّاتَهُنَّ وَزَوْجُ الرَّجُلِ هِيَ رَبَّةُ الْبَيْتِ، قَالَ مُرَّةُ بْنُ مَحْكَانِ التَّمِيمِيُّ:

يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُومِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ ... ضُمِّي إِلَيْكِ رِجَالَ الْحَيِّ وَالْغُرْبَا

وَقَدْ كَانُوا لَا يَبْنِي الرَّجُلُ بَيْتًا إِلَّا إِذَا أَرَادَ التَّزَوُّجَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: كُنْتُ عَزَبًا أَبَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ. وَمِنْ أجل ذَلِك سموا الزِّفَافَ بِنَاءً. فَلَا جَرَمَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ وَالْبَيْتُ مُتَلَازِمَيْنِ فَدَلَّتِ الْبُيُوتُ عَلَى الْأَزْوَاجِ بِالِالْتِزَامِ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً لِأَصْحابِ الْيَمِينِ [الْوَاقِعَة: ٣٤- ٣٨] فَإِنَّ ذِكْرَ الْفُرُشِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ لِلْفِرَاشِ امْرَأَةً، فَلَمَّا ذَكَرَ الْبُيُوتَ هُنَا تَبَادَرَ أَنَّ لِلْبُيُوتِ رَبَّاتٍ.

وَالْمَتَاعُ: مَا يُحْتَاجُ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مِثْلَ عَارِيَةِ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا، وَمِثْلَ سُؤَالِ الْعُفَاةِ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا هُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ سُؤَالٍ عَنِ الدِّينِ أَوْ عَنِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَائِشَةَ عَنْ مَسَائِلِ الدِّينِ.