لِأَنَّ ثُبُوتَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الْأَحْزَاب: ٦] .
وَإِضَافَةُ الْبَعْدِيَّةِ إِلَى ضمير ذَات النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تُعِيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ حَيَاتِهِ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي اسْتِعْمَالِ مِثْلِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ عِصْمَتِهِ مِنْ نَحْوِ الطَّلَاقِ لِأَن طَلَاق النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ شَرْعًا لِقَوْلِهِ: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الْأَحْزَاب: ٥٢] .
وَأُكِّدَ ظَرْفُ (بَعْدُ) بِإِدْخَالِ مِنَ الزَّائِدَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُكِّدَ عُمُومُهُ بِظَرْفِ أَبَداً لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَطَرَّقُهُ النُّسَخُ ثُمَّ زِيدَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَتَحْذِيرًا بِقَوْلِهِ: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً، فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذُكِرَ من إِيذَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوُّجِ أَزْوَاجِهِ، أَيْ ذَلِكُمُ الْمَذْكُورُ.
وَالْعَظِيمُ هُنَا فِي الْإِثْمِ وَالْجَرِيمَةِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ.
وَتَقْيِيدُ الْعَظِيمِ بِكَوْنِهِ عِنْدَ اللَّهِ لِلتَّهْوِيلِ وَالتَّخْوِيفِ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ فِي الشَّنَاعَةِ. وَعِلَّةُ كَوْنِ تَزَوَّجِ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ إِحْدَى نسَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِثْمًا عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ، أَنَّ اللَّهَ جعل نسَاء النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُمَّهَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ تَزَوُّجَ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ إِحْدَاهُنَّ لَهُ حُكْمُ تَزَوُّجِ الْمَرْءِ أُمَّهُ، وَذَلِكَ إِثْمٌ عَظِيمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ هَلِ التَّحْرِيمُ الَّذِي فِي الْآيَةِ يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ اللَّاتِي بَنَى بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ هُوَ يَعُمُّ كُلَّ امْرَأَةٍ عَقَدَ عَلَيْهَا مِثْلَ الْكِنْدِيَّةِ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَقَالَ لَهَا:
الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَتَزَوَّجَهَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَمِثْلَ قُتَيْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْكَلْبِيَّةِ الَّتِي زَوَّجَهَا أَخُوهَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَمَلَهَا مَعَهُ إِلَى حَضْرَمَوْتَ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ قُفُولِهِمَا فَتَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهِلٍ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هَمَّ بِعِقَابِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.
وَالْمَرْوِيَّاتُ فِي هَذَا الْبَابِ ضَعِيفَةٌ. وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْعَقْدَ كَانَا يَكُونَانِ مُقْتَرَنَيْنِ
وَأَنَّ مَا يَسْبِقُ الْبِنَاءَ مِمَّا يُسَمُّونَهُ تَزْوِيجًا فَإِنَّمَا هُوَ مُرَاكَنَةٌ وَوَعْدٌ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا
فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا أُحْضِرَتْ إِلَيْهِ الْكِنْدِيَّةُ وَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ