مُسَمَّيَاتِ الصَّلَاةِ، فَصَلَاةُ اللَّهِ: كَلَامُهُ الَّذِي يُقَدِّرُ بِهِ خَيْرًا لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ فِي جَانِبِ اللَّهِ مُعَطَّلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَدْعُوهُ النَّاسُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ: اسْتِغْفَارٌ وَدُعَاءٌ بِالرَّحَمَاتِ.
وَظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّ الْوَاجِبَ كُلُّ كَلَامٍ فِيهِ دُعَاء للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الصَّحَابَةَ
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة سَأَلُوا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَيْفِيَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ
قَدْ عَلِمْنَاهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟» يَعْنُونَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ مِنْ صِيغَةِ بَثِّ السَّلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي التَّشَهُّدِ فَالسَّلَامُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ صِيغَتُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. وَالسَّلَامُ فِي التَّشَهُّد هُوَ «السَّلَام عيك أَيهَا النبيء وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» أَوِ «السَّلَام على النبيء وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكَتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . هَذِهِ رِوَايَةُ مَالِكٍ فِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ بِلَفْظِ «وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» (عَنْ أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) وَبِزِيَادَةٍ «فِي الْعَالَمِينَ» ، قَبْلَ: «إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ» .
وَهُمَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ. وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ خَمْسٌ أُخْرَى مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ وَقَدِ اسْتَقْصَاهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» . وَمَرْجِعُ صيغها إِلَى تَوَجُّهٌ إِلَى اللَّهِ بِأَنْ يُفِيضَ خَيْرَاتٍ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ مَعْنَى الصَّلَاة الدُّعَاء، وَالدُّعَاء من حسن الْأَقْوَال، وَدُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ.
وَظَاهِرُ صِيغَةِ الْأَمْرِ مَعَ قَرِينَةِ السِّيَاقِ يَقْتَضِي وُجُوبَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُؤمن على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مُجْمَلًا فِي الْعَدَدِ فَمَحْمَلُهُ مَحْمَلُ الْأَمْرِ الْمُجْمَلِ أَنْ يُفِيدَ الْمَرَّةَ لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ لِإِيقَاعِ الْفِعْلِ وَلِمُقْتَضَى الْأَمْرِ. وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُصَلِّي على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ، فَجَعَلُوا وَقْتَهَا الْعُمُرَ كَالْحَجِّ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي حُكْمِهِ وَمِقْدَارِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَخَاصَّةً عِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute